وخاطبه تعالى خطابا كثيرا ، وسأله (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) [سورة ص : ٧٥] ، وأمره بالخروج من الجنة ، وأخبره أنه منظر إلى يوم الدّين وأنه ممنوع من إغواء من سبقت له الهداية؟
وهو مع ذلك كله كافر بلا خلاف. إما بقوله عن آدم : أنا خير منه ، وإما بامتناعه للسجود ؛ لا يشك أحد في ذلك. ولو كان الإيمان هو بالتصديق والإقرار فقط لكان جميع المخلدين في النار من اليهود والنصارى وسائر الكفار مؤمنين حينئذ ، لأنهم كلهم مصدقون بكل ما كذّبوا به في الدنيا مقرون بكل ذلك ، ولكان إبليس واليهود والنصارى في الدنيا مؤمنين ضرورة وهذا كفر مجرد ممن أجازه ، وإنما كفر أهل النار بمنعهم من الأعمال.
قال تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [سورة القلم : ٤٢].
قال أبو محمد : فلجأ هؤلاء المخاذيل إلى أن قالوا : إن اليهود والنصارى لم يعرفوا قط أن محمدا رسول الله ، ومعنى قول الله تعالى : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [سورة البقرة : ١٤٦ ، الأنعام : ٢٠]. أي أنهم يميّزون صورته ويعرفون أن هذا الرجل هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي فقط.
وأن معنى قوله تعالى : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [سورة الأعراف : ١٥٧].
إنما هو أنهم يجدون سوادا في بياض لا يدرون ما هو ولا يفهمون معناه ، وأن إبليس لم يقل شيئا مما ذكر الله عزوجل عنه أنه قاله مجدّا ، بل قاله هازلا.
وقال هؤلاء أيضا : إنّه ليس على ظهر الأرض ولا كان قط كافر يدري أن الله حق ، وأن فرعون قط لم يتبين له أن موسى نبي بالآيات التي عمل.
قال أبو محمد : وقالوا : إذا كان الكافر يصدّق أن الله حق ، والتصديق إيمان في اللغة فهو مؤمن إذا أوجد فيه إيمان ليس به مؤمنا وكلا القولين محال.
قال أبو محمد : هذه نصوص أقوالهم التي رأيناها في كتبهم وسمعناها منهم وكان ممّا احتجوا به لهذا الكفر المجرد أن قالوا : إن الله عزوجل سمّى كل من ذكرنا كفارا ومشركين فدلّ ذلك على أنه علم أن في قولهم كفرا وشركا وجحدا.
وقال هؤلاء : إن شتم الله عزوجل وشتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس كفرا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا.