فصحّ أن لا يكون التصديق مطلقا إيمانا إلا حتّى يستضيف إليه ما نصّ الله تعالى عليه.
ومما يتبين أن الكفر يكون بالكلام قول الله عزوجل : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) إلى قوله : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) [سورة الكهف : ٣٥ ـ ٤٢].
فأثبت الله الشرك والكفر مع إقراره بربه تعالى إذ شك في البعث وقال تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [سورة البقرة : ٨٥].
فصح أنّ من آمن ببعض الدين وكفر بشيء منه فهو كافر مع صحة تصديقه لما صدق من ذلك.
قال أبو محمد : وأكثر الأسماء الشرعية فإنها موضوعة من عند الله تعالى على مسمّيات لم يعرفها العرب قط ، هذا أمر لا يجهله أحد من أهل الأرض ممّن يدري اللغة العربية ويدري الأسماء الشرعية كالصلاة فإنه موضوع هذه اللفظة في لغة العرب : الدّعاء فقط.
فأوقعها الله تعالى عزوجل على حركات محدودة معدودة من قيام موصوف إلى جهة موصوفة لا تتعدى ، وركوع كذلك وسجود كذلك وقعود كذلك وقراءة كذلك وذكر كذلك في أوقات محدودة وبطهارة محدودة وبلباس محدود ، متى لم تكن على ذلك بطلت ولم تكن صلاة ، وما عرفت العرب قط شيئا من هذا كله فضلا عن أن تسميه حتى أتانا بهذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقد قال بعضهم : إن في الصلاة دعاء فلم يخرج الاسم بذلك عن موضوعه في اللغة.
قال أبو محمد : وهذا باطل لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن من أتى بعدد الركعات وقرأ أم القرآن وقرآنا معها في كل ركعة وأتى بعدد الركوع والسجود والجلوس والقيام والتشهد وصلّى على النبي صلىاللهعليهوسلم وسلم بتسليمتين فقد صلّى كما أمر وإن لم يدع بشيء أصلا.
وفي الفقهاء من يقول : إن من صلى خلف الإمام فلم يقرأ أصلا ولا تشهد ولا دعا أصلا فقد صلى كما أمر.
وأيضا فإن ذلك الدعاء في الصلاة لا يختلف أحد من الأمة في أنه ليس شيئا ولا يسمى صلاة أصلا عند أحد من أهل الإسلام.