ولم يزل أهل الإسلام قبل الجهمية والأشعرية والكرّامية وسائر المرجئة مجمعين على أنّه تعالى إنما عنى بذلك صلاتهم إلى بيت المقدس قبل أن ينسخ بالصلاة إلى الكعبة وقال عزوجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [سورة المائدة : ٣].
وقال عزوجل : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [سورة البينة : ٥].
فنص تعالى على أن عبادة الله تعالى في حال إخلاص الدين له تعالى وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الواردتين في الشريعة كله دين القيمة وقال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [سورة آل عمران : ١٩].
وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [سورة آل عمران : ٨٥].
فنص تعالى أن الدين هو الإسلام ، ونصّ قبل على أن العبادات كلها والصلاة والزكاة هي الدين فأنتج ذلك يقينا أن العبادات هي الدين ، والدين هو الإسلام ، فالعبادات هي الإسلام وقال عزوجل : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة الحجرات : ١٧].
وقال تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [سورة الذاريات : ٣٥ ، ٣٦].
فهذا نصّ جليّ على أن الإسلام هو الإيمان ، وقد وجب قبل بما ذكرنا أن أعمال البرّ كلها هي الإسلام ، والإسلام هو الإيمان ، فأعمال البرّ كلها إيمان وهذا برهان ضروري لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء : ٦٥].
فنص ـ تعالى ـ وأقسم بنفسه أنه لا يكون مؤمنا إلا بتحكيم النبي صلىاللهعليهوسلم في كل ما عنّ ثم يسلم بقلبه ولا يجد في نفسه حرجا مما قضى. فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب ، وأنه هو الإيمان الذي لا إيمان لمن لم يأت به.
فصح يقينا أن الإيمان اسم واقع على الأعمال في كل ما في الشريعة وقال تعالى : (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) [سورة النساء : ١٥٠ ، ١٥١].