فمن المحال أن يكون إنسان مكذبا بما يصدق به.
ومن المحال أن يشك أحد فيما يصدق به.
فلم يبق إلا أنه مصدّق بما اعتقد بلا شك ، ولا يجوز أن يكون تصديق واحد أكثر من تصديق آخر لأن حد التصديق إذا دخلت داخله فبالضرورة يدري كلّ ذي حس سليم أنه قد خرج عن التصديق ولا بدّ ، وحصل في الشك ، لأن معنى التصديق إنما هو أن يقطع ويوقن وجود ما صدّق به ، ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصّفة ، فإن لم يقطع ولا أيقن بصحته فقد شكّ فيه فليس مصدقا به وإذا لم يكن مصدقا به فليس مؤمنا به.
فصحّ أن الزيادة التي ذكر الله عزوجل في الإيمان ليست في التّصديق أصلا ولا في الاعتقاد البتة فهي ضرورة في غير التصديق وليس هاهنا إلا الأعمال فقط.
فصح يقينا أن أعمال البر إيمان بنصّ القرآن وكذلك قول الله عزوجل : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) [سورة التوبة : ١٢٤].
وقوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً) [سورة آل عمران : ١٧٣].
فإن قال قائل : معنى زيادة الإيمان هاهنا إنما هو لمّا نزلت تلك الآية صدقوا بها فزادهم بنزولها إيمانا وتصديقا بشيء وارد لم يكن عندهم.
قيل لهم وبالله تعالى التوفيق : هذا محال ، لأنه قد اعتقد المسلمون في أول إسلامهم أنهم مصدقون بكل ما يأتيهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام في المستأنف فلم يزدهم نزول الآية تصديقا لم يكونوا اعتقدوه.
فصحّ أن الإيمان الذي زادتهم الآيات إنما هو العمل بها الذي لم يكونوا عملوه ولا عرفوه ولا صدّقوا به قط ، ولا كان جائزا لهم أن يعتقدوه ويعملوا به ، بل كان فرضا عليهم تركه والتكذيب بوجوبه والزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواه ، ولا عدد للاعتقاد ولا كمية ، وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال قط.
فإن قالوا : إن تلاوتهم لها زيادة إيمان.
قلنا : صدقتم. وهذا هو قولنا ، والتلاوة عمل بجارحة اللسان ليس إقرارا بالمعتقد ، ولكنه من نوع الذكر بالتسبيح والتهليل. وقال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [سورة البقرة : ١٤٣].