ولا الوهم عليها ، وأن ذلك ممتنع فيها. فمن تجاهل وأجاز ذلك عليها خرج عن كل معقول ، ولزمه أن لا يصدق أن من غاب عن بصره من الإنس بأنهم أحياء ناطقون كمن شاهد ، وأن صورهم على حسب الصورة التي عاين ، ولزم أن يكون عنده ممكنا في بعض من غاب عن بصره من الناس أن يكونوا بخلاف ما عهد من الصورة ، إذ لا يعرف أحد أن كل من غاب عن حسه فإنه في مثل كيفية ما شاهد من نوعه إلا بنقل الكواف ذلك ، كما نقلت أن بعضهم بخلاف ذلك في بعض الكيفيات ، فوجب تصديق ذلك ضرورة كبلاد السودان وما أشبه ذلك. ويلزم من لم يصدق خبر الكافة ، ويجيز فيه الكذب والوهم أن لا يصدق ضرورة بأن أحدا كان قبله في الدنيا ، ولا أن في الدنيا أحدا إلّا من شاهد بحسه. فإن جوّز هذا عرف بعقله أنه كاذب ، وخرج عن حدود من يتكلم معه ، لأن هذا الشيء لا يعرف البتة إلّا من طريق الخبر لا غير ، فإن نفر عن هذا وأقر بأنه قد كان قبله ملوك وعلماء ، ووقائع وأمم ، وأيقن بذلك ، ولم يكن في كثير منها شك بل هي عنده في الصحة كما شاهد ولا فرق ـ سئل : من أين عرفت ذلك وكيف صح عندك؟ فلا سبيل له أصلا إلى أن يصح ذلك عنده إلا بخبر منقول نقل كافة. وبالله تعالى التوفيق. فنقول له حينئذ : فرّق بين ما نقل إليك من كل ذلك ، وبين كل ما نقل إليك من علامات الأنبياء عليهمالسلام! ولا سبيل له إلى الفرق بين شيء من ذلك أصلا. فإن قال : الفرق بينها وبينها أنه لا ينكر أحد هذه الأمور ، وكثير من الناس ينكرون أعلام الأنبياء ، قيل له وبالله تعالى التوفيق : إن كثيرا من الناس لا يعرفون كثيرا مما صح عندك من الأخبار العارضة لمن كان في بلادك قبلها فليس جهلهم بها ودفعهم لها لو حدثوا بها مخرجا لها عن الصحة ، وكذلك جحد أعلام الأنبياء ليس مخرجا لها عن الوجوب والصحة.
فإن قال : إنه ليس نجد الناس على الكذب فيما كان قبلنا من الأخبار ما نجدهم على الكذب في أعلام النبوة. قيل له وبالله التوفيق :
هذا كذب ، بل الأمران سواء لا فرق بينهما. ومن الملوك من يشتد عليهم وصف أسلافهم بالجور والظلم والقبائح ، ويحمي هذا الباب بالسيف فما دونه ، فما انتفعوا بذلك في كتمان الحق.
قد نقل ذلك كله وعرف ، كما نقلت فضائل من تغضب ملوك الزمان من مدحه كفضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ما قدر قط ملوك بني مروان على سترها وطيها.