خلق ، وأنه نهاية جرم المخلوقات الذي ليس خلفه خلاء ولا ملاء ، ومن أنكر أن يكون للعالم نهاية من المسامحة والزمان والمكان أو من جرمه فقد لحق بقوله الدّهرية ، وفارق الإسلام.
والاستواء في اللغة يقع على الانتهاء ، قال تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [سورة القصص : ١٤].
أي : فلما انتهى إلى القوة والخير. وقال تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [سورة فصلت : ١١].
أي أنّ خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتب الأرض على ما هي عليه وبالله تعالى التوفيق.
وهذا هو الحق وبه نقول لصحة البرهان به وبطلان ما عداه. فأمّا القول الثالث في المكان : فهو أن الله تعالى لا في مكان ولا في زمان أصلا ، وهو قول الجمهور من أهل السنة وبه نقول ، وهو الذي لا يجوز غيره لبطلان ما عداه ، ولقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [سورة فصلت : ٥٤].
فهذا يوجب ضرورة أنه تعالى لا في مكان إذ لو كان في المكان لكان المكان محيطا به من جهة ما أو من جهات ، وهذا منتف عن الباري تعالى بنص الآية المذكورة ، والمكان شيء بلا شك ، فلا يجوز أن يكون شيء في مكان ويكون هو محيطا بمكانه ، وهذا محال في العقل يعلم امتناعه ضرورة. وبالله التوفيق.
وأيضا فإنه لا يكون في مكان إلّا ما كان جسما أو عرضا في جسم ، هذا الذي لا يجوز سواه ، ولا يتشكل في العقل والوهم غيره البتة ، فإذا انتفى أن يكون الله عزوجل جسما أو عرضا فقد انتفى أن يكون في مكان أصلا وبالله تعالى نتأيّد.
وأمّا قوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [سورة الحاقة : ١٧].
فقوله الحق نؤمن به يقينا والله أعلم بمراده في هذا القول ، ولعلّه عزوجل عنى السماوات والكرسي فهذه ثمانية أجرام ، هي يومئذ والآن بيننا وبين العرش ، ولعلهم أيضا ثمانية ملائكة ، والله أعلم ، نقول ما قاله ربنا تعالى ، ونقطع أنه حق يقين على ظاهره ، وهو أعلم بمعناه ومراده ، وأمّا الخرافات فلسنا منها في شيء ، ولا يصحّ هذا في خبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولكنا نقول : هذه غيوب لا دليل لنا على المراد بها ، لكنّا نقول : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [سورة آل عمران : ٧]. وكل ما قاله الله تعالى حق ليس منه