وننفي عنه النّوم ، ولا يجوز أن يسمى يقظان ، ولا منتبها ، ولا يسمّى لنفي الانحناء عنه مستقيما ، وكذلك كلّ صفة لم يأت بها النصّ ، فكذلك الاستواء والاعوجاج منفيان عنه معا ، سبحانه وتعالى عن ذلك لأن كل ذلك من صفات الأجسام ، ومن جملة الأعراض ، والله قد تعالى عن الأعراض.
ورابعها : أنه يلزم من قال بهذا القول أن يكون العرش لم يزل تعالى الله عن ذلك ، لأنه تعالى علّق الاستواء بالعرش فلو كان الاستواء لم يزل لكان العرش لم يزل فهذا كفر.
وخامسها : أنه لو كان الاستواء هاهنا نفي الاعوجاج لم يكن لإضافة ذلك إلى العرش معنى ، ولكان كلاما فاسدا لا وجه له.
فإن اعترضوا فقالوا : إنكم تسمّونه سميعا بصيرا ، وأنه لم يزل كذلك فيلزم على هذا أن المسموعات والمبصرات لم تزل.
قلنا لهم وبالله تعالى نتأيد : هذا لا يلزمنا لأننا لا نسمي الله تعالى إلّا بما سمّى نفسه فنقول إن الله تعالى السميع البصير لم يزل وهو السميع البصير بذاته كما هو لا بسمع ولا ببصر ، ولم نزد على ما أتى به النص شيئا. ونحن نقول : إنه تعالى لم يزل بصيرا بالمبصرات ، سميعا بالمسموعات يرى المرئيات ويسمع المسموعات ، ومعنى هذا كله أنه عالم بكل ذلك ويعلم كل ذلك على ما يكون عليه ثم على حقيقته وعلى ما هو عليه ، هذا معنى العلم الذي لا يقتضي وجودا لمعلومات لم تزل ، وهذا نجده حسّا ومشاهدة وضرورة ، لأننا لما بينا زيدا سيموت وأن موته لم يقع بعد وليس هكذا قولهم في الاستواء لأنه مرتبط بالعرش. فإن قالوا فإذن معنى «سميع بصير» هو معنى «عليم» فقولوا : إنه تعالى يبصر المسموعات ويسمع المرئيات؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق :
ما نمنع من هذا ولا ننكره ، بل هو صحيح لأن الله تعالى إنما قال : أسمع وأرى. فهذا إطلاق على كل شيء على عمومه ، وبالله تعالى التوفيق.
والقول الرابع في معنى الاستواء : هو أنّ معنى قول الله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) : أنه فعل فعله في العرش وهو انتهاء خلقه إليه ، فليس بعد العرش شيء ، ويبيّن ذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر الجنات وقال : «فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنّه وسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوق ذلك عرش الرحمن» (١) فصحّ أنه ليس وراء العرش
__________________
(١) تقدم تخريجه في هذا الجزء. انظر الفهارس العامة.