بهذا ، فإن قالوه لزمهم أنّ له مؤلفا جامعا مخترعا فاعلا ، فإن منعوا من ذلك لزمهم أن يوجبوا لما في العالم من التأليف لا مؤلف له ولا جامعا ، إذ المؤلّف كله كيفما وجد يقتضي مؤلّفا ضرورة.
فإن قالوا : هو جسم غير مؤلّف قيل لهم : هذا هو الذي لا يعقل حسّا ولا يتشكّل في النفوس البتة.
فإن قالوا : لا فرق بين قولنا شيء وبين قولنا جسم ، قيل لهم : هذه دعوى كاذبة على اللغة التي بها تتكلمون.
وأيضا فهو باطل لأنّ الحقيقة أنه لو كان الشيء والجسم بمعنى واحد لكان العرض جسما لأنه شيء وهذا باطل بيقين.
والحقيقة هي أنه لا فرق بين قولنا : شيء ، وقولنا : موجود وحق وحقيقة ومثبت ، فهذه كلها أسماء مترادفة على معنى واحد لا يختلف ، وليس منها اسم يقتضي صفة أكثر من أنّ المسمّى بذلك حق ولا مزيد.
وأمّا لفظة جسم فإنّها في اللغة عبارة عن الطويل العريض العميق ، المحتمل للقسمة ذي الجهات ا لست ، التي هي فوق وتحت ، ووراء ، وأمام ، ويمين ، وشمال ، وربما عدم واحد منها ، وهي الفوق ، هذا حكم هذه الأسماء في اللغة التي هذه الأسماء منها ، فمن أراد أن يوقع شيئا منها على غير موضوعها في اللغة فهو مجنون وقاح ، وهو كمن أراد أن يسمّى الحق باطلا والباطل حقا ، وأراد أن يسمّي الذّهب خشبا ، وهذا غاية الجهل والسخف ، إلّا أن يأتي نصّ بنقل اسم منها عن موضوعه إلى معنى آخر فيوقف عنده ، وإلّا فلا ، وإنما يلزم كلّ مناظر يريد معرفة الحقائق أو التعريف بها أن يحقق المعاني التي يقع عليها الاسم ثم يخبر بعد بها أو عنها بالواجب ، وأمّا مزج الأشياء وقلبها عن موضوعاتها في اللغة فهذا فعل السوفسطائية الوقحاء الجهال ، العابثون بعقولهم وأنفسهم.
فإن قالوا لنا : إنكم تقولون إن الله عزوجل حيّ لا كالأحياء ، وعليم لا كالعلماء ، وقادر لا كالقادرين ، وشيء لا كالأشياء ، فلم منعتم القول بأنه جسم لا كالأجسام؟!
قيل لهم وبالله تعالى التوفيق : لو لا النصّ الوارد بتسميته حيّا وقديرا وعليما ما سميناه بشيء من ذلك ، لأن الوقوف عند النصّ فرض ، ولم يأت نصّ بتسميته تعالى جسما ، ولا قام البرهان بتسميته تعالى جسما بل البرهان مانع من تسميته تعالى بذلك ،