النهار ، ورفع عينيه ونظر فإذا بثلاثة نفر وقوف أمامه فنظر وركض لاستقبالهم عند باب الخباء وسجد على الأرض ، وقال : يا سيدي ، إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك ليؤخذ قليل من ماء ، واغسلوا أرجلكم ، واستندوا تحت الشجرة ، وأقدم لكم كسرة من الخبز تشتد بها قلوبكم وبعد ذلك تمضون ، فمن أجل ذلك مررتم على عبدكم فقالوا : اصنع كما قلت ، فأسرع إبراهيم إلى الخباء إلى سارة ، وقال لها : اصنعي ثلاث صيعان من دقيق سميذ ، اعجنيه واصنعي خبز ملّة (١) ، وحضر إبراهيم إلى البقر ، وأخذ عجلا رخيصا (٢) سمينا ودفعه للغلام واستعجل بإصلاحه ، وأخذ سمنا ولبنا ، والعجل الذي صنعوه وقدّم بين أيديهم وهو واقف عليهم تحت الشجرة وقال : كلوا».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : في هذا الفصل آيات من البلاء شنيعة نعوذ بالله من قليل الضلال وكثيرة.
فأوّل ذلك إخباره أن الله تعالى تجلّى لإبراهيم وأنه رأى الثلاثة النفر فأسرع إليهم وسجد وخاطبهم بالعبودية ، فإن كان أولئك الثلاثة هم الله فهذا هو التثليث بعينه بلا كلفة بل هو أشد من التثليث ، لأنه إخبار بشخوص ثلاثة والنصارى يهربون من التشخيص ، وقد رأيت في بعض كتب النصارى الاحتجاج بهذه القضية في إثبات التثليث ، وهذا كما ترى في غاية الفضيحة. وإن كان أولئك الثلاثة ملائكة وهكذا يقولون فعليهم في ذلك أيضا فضائح عظيمة ، وكذب فاحش من وجوه.
أولها : من المحال والكذب أن يخبر بأن الله تعالى تجلّى له ، وإنما تجلّى له ثلاثة من الملائكة.
وثانيها : أنه يخاطب أولئك الملائكة بخطاب الواحد ، وهذا مما يزيد في ضلال النصارى في هذا الفصل ، وهذا أيضا محال في الخطاب.
وثالثها : سجوده للملائكة فإنّ من الباطل أن يسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخليله لغير الله تعالى ولمخلوق مثله ، فهذه كذبة. وإن قالوا بل لله سجد فهذه كذبة ولا بد ، أو يكون الله عندهم هم الثلاثة المتجلون. لا بدّ من إحداها ، وعادت البلية أشد ما (٣) كانت.
__________________
(١) الملّة (بفتح الميم) : التراب الحار والرماد أو الجمر يخبز أو يطبخ عليه أو فيه (المعجم الوسيط : ص ٨٨٧).
(٢) الرخيص والرّخص : الناعم اللين (المرجع السابق : ص ٣٣٦).
(٣) كذا في الأصل : ولعلها : «مما».