حجة لهم فيه والحمد لله رب العالمين. لأن القرآن واجب أن يحمل على ظاهره ، كذلك كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن خالف ذلك كان عاصيا لله عزوجل مبدلا لكلماته ، ما لم يأت نص في أحدهما ، أو إجماع متيقن ، أو ضرورة حسّ على خلاف ظاهره ، فيوقف عند ذلكم ، ويكون من حمله على ظاهره حينئذ ناسبا الكذب إلى الله عزوجل ، أو كاذبا عليه وعلى نبيه عليهالسلام نعوذ بالله من كلا الوجهين. وإذ قد بينا قبل بالبراهين الضرورية أن الحيوان غير الإنس والجن والملائكة لا نطق له نعني أنه لا تصرف له في العلوم والصناعات ، وكان هذا القول مشاهدا بالحس معلوما بالضرورة لا ينكره إلا وقح مكابر لحسه ، وبينا أن كل ما كان بخلاف التمييز المعهود عندنا فإنه ليس تمييزا ، وكان هذا أيضا يعلم بالضرورة والعيان والمشاهدة ، فوجب أنه بخلاف ما يسمى في الشريعة واللغة نطقا وقولا وتسبيحا وسجودا ، فقد وجب أنها أسماء مشتركة اتفقت ألفاظها ، وأما معانيها فمختلفة لا يحل لأحد أن يحملها على غير هذا ، لأنه إن فعل كان مخبرا أن الله تعالى قال ما يبطله العيان والعقل الذي به عرفنا الله تعالى ولولاه ما عرفناه ، ومن أجاز هذا كان كافرا مشركا ، ومن أبطل العقل ، فقد أبطل التوحيد إذ كذب شاهده عليه ، إذ لو لا العقل لم يعرف الله عزوجل أحد ، ألا ترى المجانين والأطفال لا يلزمهم شريعة لعدم عقولهم؟ ومن جوّز هذا فلا ينكر على النصارى ما يأتون به من خلاف المعقول ، ولا على الدهرية ، ولا على السوفسطائية ما يخالفون به المعقول ، لكنا نقول : إنّ اللفظ مشترك والمعنى هو ما قام الدليل عليه ، كما فعلنا في النزول وفي الوجه واليدين والأعين ، وحملنا كل ذلك على أنه حق بخلاف ما يقع عليه اسم «ينزل» عندنا ، واسم «يد» و «عين» عندنا ، لأن هذا عندنا في اللغة واقع على الجوارح والنقلة ، وهذا منفيّ عن الله تعالى.
فإذ لا شك في هذا فلنقل الآن على معاني الآيات التي ذكرنا أنه ربما اعترض بها من لا يمعن النظر بحول الله وقوته فنقول وبالله تعالى التوفيق :
أما تسبيح كل شيء فالتسبيح عندنا إنما هو قول «سبحان الله وبحمده». وبالضرورة نعلم أن الحجارة والخشب والهوام والحشرات والحيوان غير الناطق لا تقول «سبحان الله» بالسين والباء والحاء والألف والنون واللام والهاء. هذا ما لا يشك فيه من
__________________
«لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء». والشاة الجلحاء : هي الجمّاء ، وهي التي لا قرن لها. ورواه أيضا الترمذي في صفة القيامة باب ٢ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٣٥ ، ٣٠١ ، ٣٢٣ ، ٣٧٢ ، ٤١١).