وما ذكرنا من الآيات نبذة من السنن الإلهيّة السائدة على الفرد والمجتمع. وفي وسع الباحث أن يتدبر في آيات الكتاب العزيز حتى يقف على سننه تعالى وقوانينه ، ثم يرجع إلى تاريخ الأمم وأحوالها فيصدّق قوله سبحانه : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).
القدر والقضاء العلميّان الجزئيّان
إذا كان التقدير والقضاء والعينيان راجعين إلى إطار وجود الشيء في الخارج من وصفه بالتقدير والضرورة ـ كما سيوافيك ـ يكون المراد من التقدير والقضاء العلميّين ، علمه سبحانه بمقدار الشيء وضرورة وجوده في ظرف خاص ، علما ثابتا في الذات أو علما مكتوبا في كتاب. والأوّل يكون علما في مقام الذات ، والآخر يكون علما في مقام الفعل.
ولكن الفلاسفة خصّوا القضاء بالجانب العلمي والقدر بالجانب العيني ، فقالوا : «القضاء» عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام ، وهو المسمّى ب «العناية» التي هي مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها.