إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (١).
ولو كان المراد هو التسبيح التكويني لما صح قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لأنّ التكويني منه ليس إلّا دلالة نظام كل موجود ، على كون الخالق عالما وقادرا وحكيما وهذا ما يفهمه أكثر الناس.
٣. انّ سلب التأثير المطلق عن العلل والأسباب الإمكانية خلاف ما نطق به الذكر الحكيم ، حيث إنّه يعترف بتأثيرها في مسبباتها بإذن منه سبحانه قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) (٢) فإنّ الباء في (بِهِ) للسببية نظير قوله سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣).
والآية ترشدنا إلى أنّ وراء النظام المادّي ، قدرة غيبية ، وليس العالم قائما بذاته ، فاعلا ومتفاعلا بنفسه ، وذلك لأنّا نرى أنّ أرضا واحدة بصورة (قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) بعضها في جانب بعض ، (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) ينبت فيها أشجار متنوعة ، وتعطي فواكه
__________________
(١). الإسراء : ٤٤.
(٢). البقرة : ٢٢.
(٣). الرعد : ٤.