ثمّ إنّ المعلّق استثنى مسّ قبر النبي صلىاللهعليهوآله والتبرّك به ، ومنعهما وقال في وجهه :
«وأمّا جواز مسّ قبر النبيّ والتبرّك به فهذا القول غريب جداً لم أرَ أحداً نقله عن الإمام ، وقال ابن تيمية في الجواب الباهر لزوار المقابر (ص ٣١) : اتّفق الأئمة على أنّه لا يمسّ قبر النبي ولا يقبله ، وهذا كلّه محافظة على التوحيد ؛ فإنّ من أُصول الشرك بالله اتّخاذ القبور مساجد» (١).
لكن يلاحظ عليه : كيف يقول : لم أجد أحداً نقله عن الإمام ، أوَليس ولده أبو عبد الله راوية أبيه وكتبه يروي هذه الفتوى؟ وهو ثقة عند الحنابلة!
وأمّا التفريق بين مسّ المنبر والقبر بجعل الأوّل نفس التوحيد ، والثاني أساس الشرك ، فمن غرائب الأُمور ؛ لأنّ الأمرين يشتركان في التوجّه إلى غير الله سبحانه ، فلو كان هذا محور الشرك ، فالموضوعات سيّان ، وإن فرّق بينهما بأنّ الماسّ ينتفع بالأوّل دون الثاني لعدم مسّ جسده بالثاني فلازمه كون الأوّل نافعاً والثاني أمراً باطلاً دون أن يكون شركاً.
ولو رجع المحقّق إلى الصحاح والمسانيد وكتب السيرة والتاريخ ، لوقف على أنّ التبرّك بالقبر ومسّه ، كان أمراً رائجاً بين المسلمين في عصر الصحابة والتابعين ، ولأجل إيقاف القارئ على صحّة ما نقول نذكر نموذجين من ذلك :
١ ـ إنّ فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بنت رسول الله حضرت عند قبر أبيهاصلىاللهعليهوآله وأخذت قبضة من تراب القبر تشمّه وتبكي وتقول :
ما ذا على من شمّ تربة أحمد |
|
ألّا يشمّ مدَى الزمان غَواليا |
صُبَّت عليَّ مصائب لو أنّها |
|
صُبَّت على الأيّامِ صِرنَ لَياليا (٢) |
__________________
(١) تعليقة المحقّق ، نفس الصفحة.
(٢) لقد ذكر هذه القضية جمع كثير من المؤرخين ، منهم : السمهودي في وفاء الوفا ٢ : ٤٤٤ ؛ والخالدي في صلح الاخوان : ٥٧ ، وغيرهما.