وقصد المدينة فأتى قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين (رضي الله عنهما) فجعل يضُمّهما ويقبّلهما فقالا له : نشتهي أذانَك الّذي كنت تؤذِّن به لرسول الله صلىاللهعليهوآله في المسجد ففعل ، فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الّذي كان يقف فيه فلمّا أن قال : الله أكبر ، الله أكبر ، ارتجّت المدينة ، فلمّا أن قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، ازدادت رجّتها ، فلمّا أن قال : أشهد أنّ محمداً رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهنّ وقالوا : بُعِثَ رسول الله. فما رئي يوم أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله من ذلك اليوم (١).
٢ ـ استفاض أنّ عمر بن عبد العزيز كان يبعث بالرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليقرئ النبيّ السلام ثمّ يرجع. قال ابن الجوزي : وكان عمر بن عبد العزيز يرد البريد من الشام يقول : سلّم لي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
وربّما كان يجتمع مع قصد الزيارة قصد أمر آخر. فكان يُشَدّ لغايتين.
٣ ـ روى يزيد بن أبي سعيد ، مولى المهري قال : قدمت على عمر بن عبد العزيز فلمّا ودّعته قال : إليك حاجة إذا أتيت المدينة سترى قبر النبيّ فاقرئه منّي السلام (٣).
٤ ـ روى أبو الليث السمرقندي الحنفي في الفتاوي في باب الحجّ : قال أبو القاسم : لمّا أردت الخروج إلى مكّة قال القاسم بن غسان : إنّ لي إليك حاجة ، إذا أتيت قبر النبي فاقرئه منّي السلام ، فلمّا وضعت رحلي في مسجد المدينة ذكرت.
قال الفقيه : فيه دليل إن لم يقدر على الخروج يأمر غيره ليسلّم عنه ؛ فإنّه ينال
__________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦٥ ؛ تهذيب الكمال ٤ : ٢٨٩.
(٢) مثير العَزْم الساكن إلى أشرف الأماكن ٢ : ٢٩٧ ، تحقيق مرزوق علي إبراهيم ط. دار الراية ـ الرياض ١٤١٥ ه.
(٣) شفاء السقام : ص ٥٦.