جئتك مستغفراً من ذنبي ، مستشفعاً بك إلى ربّي». ثمّ بكى وأنشأ يقول :
يا خيرَ من دُفنت بالقاع أعظمُهُ |
|
فطاب من طيبهنّ القاعُ والأكمُ |
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُهُ |
|
فيه العَفافُ وفيه الجودُ والكرمُ |
ثمّ استغفر وانصرف (١).
ويروي أبو سعيد السمعاني عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أنّ أعرابياً جاء بعد ثلاثة أيام من دفن رسول الله صلىاللهعليهوآله فرمى بنفسه على القبر الشريف وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله ما وعينا عنك ، وكان فيما أنزله عليك : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ...) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي إلى ربّي(٢).
إنّ كل هذا يدلّ على أنّ المنزلة الرفيعة الّتي منحها الله تعالى لحبيبه المصطفىصلىاللهعليهوآله كما صرّحت بها هذه الآية ليست خاصّة بحياته ، بل تؤكّد على أنّها ثابتة له بعد وفاته أيضاً.
وبصورة عامّة ... يَعتبر المسلمون كلّ الآيات النازلة في تعظيم رسول الله واحترامه ، عامّة لحياته وبعد مماته ، وليس هناك من يُخصِّصها بحياته صلىاللهعليهوآله.
وقد جاء في التاريخ : لمّا استُشهد الإمام الحسن بن عليّ عليهماالسلام وجيء بجثمانه الطاهر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ظنّ بنو أُمية أنّ بني هاشم يريدون دفن الإمام بجوار قبر جدّه المصطفى ، فأثاروا الفتنة والضجّة للحيلولة دون ذلك ، فتلا الإمام الحسين عليهالسلام قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)(٣).
__________________
(١) وفاء الوفا ٤ : ١٣٦١ ؛ الدرر السنيّة : ص ٧٥ ط. دار جوامع الكلم.
(٢) ابن حجر ، الجوهر المنظم ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ٢ : ٦١٢ ، وزيني دحلان في الدرر السنية : ٢١.
(٣) الحجرات : ٢.