لمشروعية ذلك كلّه كما رآه السبكي في خطّه؟ وقد أطال ابن تيمية الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع ، وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً وأنّه لا تقصَّر فيه الصلاة ، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.
قلت : من هو ابن تيمية؟! حتّى ينظر إليه أو يقول في شيء من مورد الدين عليه؟!! وهل هو إلّا كما قال جماعة من الأئمة ـ الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتّى أظهروا عوار سقطاته ، وقبائح أوهامه ، وغلطاته كالعزّ بن جماعة ـ : عبد أضلّه الله تعالى وأغواه ، وألبسه رداء الخزي وأرداه ، وبواه من قوّة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان ، وأوجب له الحرمان ، ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته ، التقيّ السبكي ـ قدس الله روحه ونوّر ضريحه ـ للردّ عليه في تصنيف مستقل أفاد فيه وأجاد ، وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصواب ثمّ قال :
هذا ما وقع من ابن تيمية ممّا ذكر وإن كان عثرة لا تقال أبداً ، ومصيبة يستمر شؤمها سرمداً ، وليس بعجب ؛ فإنّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنّه أتى بأقبح المعايب ؛ إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة ، وتدارك على أئمتهم لا سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة ، شهيرة حتّى تجاوز إلى الجناب الأقدس ، المنزّه سبحانه عن كلّ نقص ، والمستحق لكل كمال أنفس ، فنسب إليه الكبائر والعظائم ، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامّة ، على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخّرين ، حتّى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع ، وزالت تلك الضلالات ، ثمّ انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً ، ولم يظهر لهم جاهاً ، ولا بأساً ، بل ضربت