بنصّه قال :
اعلم أنّ النفوس القوية القدسية ، لا سيّما نفوس الأنبياء والأئمة عليهمالسلام ، إذا نفضوا أبدانهم الشريفة وتجرّدوا عنها ، وصعدوا إلى عالم التجرّد ، وكانوا في غاية الإحاطة والاستيلاء على هذا العالم يكون العالم عندهم ظاهراً منكشفاً ، فكلّ من يحضر مقابرهم لزيارتهم يطّلعون عليه ، لا سيّما ومقابرهم مشاهدُ أرواحهم المقدّسة العليّة ، ومحالّ حضور أشباحهم البرزخيّة النورية ؛ فإنّهم هناك يشهدون (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) ، وبما آتاهم الله من فضله فرحون ، فلهم تمامُ العلم والاطّلاع بزائري قبورهم ، وحاضري مراقدهم وما يصدر عنهم من السؤال والتوسّل والاستشفاع والتضرّع ، فتهبّ عليهم نسماتُ ألطافهم ، وتفيض عليهم من رشحات أنوارهم ، ويشفعون إلى الله في قضاء حوائجهم ، وإنجاح مقاصدهم ، وغفران ذنوبهم وكشف كروبهم.
فهذا هو السرّ في تأكّد استحباب زيارة النبيّ والأئمة عليهمالسلام مع ما فيه من صلة لهم ، وبرّهم وإجابتهم ، وإدخال السرور عليهم ، وتجدّد عهد ولايتهم ، وإحياء أمرهم ، وإعلاء كلمتهم ، وتبكيت أعدائهم. وكلّ واحد من هذه الأُمور ممّا لا يخفى عظيمُ أجرِهِ وجزيل ثوابه.
وكيف لا تكون زيارتُهم أقربَ القربات ، وأشرفَ الطاعات ، وأنّ في زيارة المؤمن ـ من جهة كونه مؤمناً فحسب ـ عظيم الأجر وجزيل الثواب ، وقد ورد به الحثّ والتوكيد والترغيب الشديد من الشريعة الطاهرة ، ولذلك كثر تردّد الأحياء إلى قبور أمواتهم للزيارة ، وتعارف ذلك بينهم ، حتّى صارت لهم سنّة طبيعية.
وأيضاً قد ثبت وتقرّر جلالة قدر المؤمن عند الله ، وثوابُ صلته وبرّه وإدخال السرور عليه ، وإذا كان الحال في المؤمن من حيث إنّه مؤمن ، فما ظنّك بمن
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.