إنّ قوله سبحانه : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ظاهر في لزوم وقوعه مرّة بعد أُخرى لا دفعة واحدة وإلّا يصير مرّة ودفعة ، ولأجل ذلك عبّر سبحانه بلفظ «المرّة» ليدلّ على كيفية الفعل وأنّه الواحد منه ، كما أنّ الدفعة والكرّة والنزلة ، مثل المرّة ، وزناً ومعنى واعتباراً.
وعلى ما ذكرنا فلو قال المطلّق : أنت طالق ثلاثاً ، لم يطلِّق زوجته مرّة بعد أُخرى ، ولم يطلّق مرّتين ، بل هو طلاق واحد ، وأمّا قوله «ثلاثاً» فلا يصير سبباً لتكرّره ، وتشهد بذلك فروع فقهية لم يقل أحد من الفقهاء فيها بالتكرار بضمّ عدد فوق الواحد.
مثلاً اعتبر في اللعان شهادات أربع ؛ فلا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله «أربعاً». وفصول الأذان المأخوذة فيها التثنية ؛ لا يتأتّى التكرار فيها بقراءة واحدة وإردافها بقوله : «مرّتين». ولو حلف في القسامة وقال : «اقسم بالله خمسين يميناً أنّ هذا قاتله» كان هذا يميناً واحداً. ولو قال المقرّ بالزنا : «أنا أُقرّ أربع مرّات أنّي زنيت» كان إقراراً واحداً ، ويحتاج إلى ثلاثة إقرارات أُخرى ، إلى غير ذلك من الموارد التي لا يكفي فيها العدد عن التكرار.
قال الجصّاص : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، وذلك يقتضي التفريق لا محالة ؛ لأنّه لو طلّق اثنتين معاً لما جاز أن يقال : طلّقها مرّتين ، وكذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال : أعطاه مرّتين ، حتّى يفرّق الدفع ، فحينئذٍ يُطلق عليه ، وإذا كان هذا هكذا ، فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلّق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لأدّى ذلك إلى إسقاط فائدة ذكر المرّتين ؛ إذ كان هذا الحكم ثابتاً في المرة الواحدة إذا طلّق اثنتين ، فثبت بذلك أنّ ذكر المرّتين إنّما هو أمر بإيقاعه مرّتين ، ونهى عن الجمع بينهما في مرّة واحدة (١).
__________________
(١) أحكام القرآن ١ : ٣٧٨.