وقوله سبحانه : (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) دليل على وجود النفرة من الزوجة ، فتخاف أن لا تقيم حدود الله ، فتفتدي بالمهر وغيره لتخلّص نفسها.
٤ ـ لم يكن في الجاهلية للطلاق ولا للمراجعة في العدّة ، حدّ ولا عدّ ، فكان الأزواج يتلاعبون بزوجاتهم ؛ يضارّوهنّ بالطلاق والرجوع ما شاءوا ، فجاء الإسلام بنظام دقيق وحدّد الطلاق بمرّتين ، فإذا تجاوز عنه وبلغ الثالث تحرم عليه حتّى تنكح زوجاً غيره.
روى الترمذي : كان الناس والرجل يُطلِّق امرأته ما شاء أن يطلّقها ، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدّة ، وإن طلّقها مائة مرة أو أكثر ، حتّى قال رجل لامرأته : والله لا أُطلّقك فتبيني منّي ، ولا آويك أبداً قالت : وكيف ذلك؟ قال : أُطلّقك فكلّما همَّت عدَّتك أن تنقضي راجعتك ، فذهبت المرأة فأخبرت النبيّ فسكت حتّى نزل القرآن : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ...) (١).
٥ ـ اختلفوا في تفسير قوله سبحانه : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إلى قولين :
أ ـ إنّ الطلاق يكون مرّتين ، وفي كلّ مرّة إمّا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، والرجل مخيّر بعد إيقاع الطلقة الأُولى بين أن يرجع فيما اختار من الفراق فيمسك زوجته ويعاشرها بإحسان ، وبين أن يدع زوجته في عدّتها من غير رجعة حتّى تبلغ أجلها وتنقضي عدّتها.
وهذا القول هو الّذي نقله الطبري عن السّدي والضحّاك فذهبا إلى أنّ معنى الكلام : الطلاق مرّتان فإمساك في كلّ واحدة منهما لهنّ بمعروف أو تسريح لهنّ بإحسان ، وقال : هذا مذهب ممّا يحتمله ظاهر التنزيل لو لا الخبر الذي رواه
__________________
(١) الترمذي ، الصحيح ج ٣ كتاب الطلاق ، الباب ١٦ ، الحديث ١١٩٢.