يمنعني من الخروج إليكم إلّا أنّي خشيت أن تفرض عليكم. قال : وذلك في رمضان.
وحدّثني حرملة بن يحيى : أخبرنا عبد الله بن وهب : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج من جوف الليل فصلّى في المسجد ، فصلّى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدّثون بذلك فاجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الليلة الثانية فصلّوا بصلاته ، فأصبح الناس يذكرون ذلك ، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج فصلّوا بصلاته ، فلمّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فطفق رجال منهم يقولون : الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى خرج لصلاة الفجر ، فلمّا قضى الفجر أقبل على الناس ثمّ تشهّد فقال :
«أمّا بعد ؛ فإنّه لم يخف عليَّ شأنكم الليلة ، ولكنّي خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل ؛ فتعجزوا عنها» (١).
والاختلاف بين ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام وما رواه الشيخان واضح ؛ فعلى الأوّل ، نهى النبي صلىاللهعليهوآله عن إقامتها جماعة ، وأسماها بدعة ، وعلى الثاني ؛ ترك النبيّ صلىاللهعليهوآله الإقامة جماعة خشية أن تُفرض عليهم ، مع كونها موافقةً للدين والشريعة ، إذاً فأي القولين أحقّ أن يتّبع ، يعلم ذلك بالبحث التالي :
إنّ في حديث الشيخين مشاكل جديرة بالوقوف عليها :
الأُولى : ما معنى قوله : «خشيتُ أن تفرض عليكم ، فتعجزوا عنها»؟
فهل مفاده : أنّ ملاك التشريع هو إقبال الناس وإدبارهم ؛ فإن كان هناك اهتمام ظاهر من قبل الناس ، يفرض عليهم وإلّا فلا يفرض ، مع أنّ الملاك في الفرض هو وجود مصالح واقعية في المتعلّق ، سواء أكان هناك اهتمام ظاهر أم لا. فإنّ تشريعه
__________________
(١) مسلم ، الصحيح ٦ : ٤١.