٦ ـ يقول الشاطبي : وقد أحدث في المغرب المسمّى بالمهدي تثويباً عند طلوع الفجر وهو قولهم «أصبح ولله الحمد» إشعاراً بأنّ الفجر قد طلع ، لإلزام الطاعة ، وحضور الجماعة ، وللغد ولكلّ ما يؤمرون به فيخصّه هؤلاء المتأخّرون تثويباً بالصلاة كالأذان ، ونقل أيضاً إلى أهل المغرب فصار ذلك كلّه سنّة في المساجد إلى الآن. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون(١).
هذه نماذج ممّا ذكره الشاطبي وغيره فتخيّلوها بدعة في الدين ، وأين هذه من البدعة في الدين؟ افترى هل يقوم أحد بهذه الأعمال الماضية باسم الدين ، أو يقوم باسم الأُمور العادية لتسهيل الأُمور؟ ولو كان الجاهل يتلقّاها أمراً دينياً فوباله على جهله لا على الفاعل. وقد اتّفقنا مع الشاطبي في تحديد البدعة ، وقد جعلها هو خاصة بالأُمور الشرعية ، ومع ذلك نسي هنا ما ذكره في مقام التحديد.
نحن نفترض أنّ هذه الأعمال تتّخذ سنّة حسب مرور الأيّام ، ولكنّها تكون سنّة عادية ، لا دينية ، ولا يمنع عنها إذا كانت مصلحة ولم ينطبق عليها عنوان محرّم. ولو تخيّله الجاهل سنناً دينيّة ، فعلى العالم إرشاده ، لا إعمال الضغط على المجتمع حتى يتنفّر عن الإسلام وأهله ويوادعهما.
والسبب الوحيد لهذه الزلّات والاشتباهات التي تشوّش سمعة الإسلام ، وتعرّفه ديناً متزمّتاً لا يقبل المرونة إنما هو جعل سيرة السلف وجوداً وعدماً معياراً للحقّ والباطل مكان الكتاب والسنّة في ذلك ، فأين هذه الغلظة من المرونة الملموسة من الكتاب والسنّة ، يقول سبحانه :
(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (٢).
__________________
(١) الاعتصام ٢ : ٧٠.
(٢) الحج : ٧٨.