للبراءة من أعدائه أو أقام الأفراح لمولد بطل من أبطاله ، وبالجملة ما هو حلال بالذات لا مانع من أن تتّفق عليه الأُمّة ، وتتّخذه عادة متبعة في المناسبات ، ويكون بدعة لغوية.
وأمّا ما كان محرّماً بالذات فهو محرّم ليس من باب البدعة. فلو اتّخذ أمراً مرسوماً ورائجاً ، مثل دخول النساء سافرات متبرّجات في مجالس الرجال في الاستقبالات والضيافات ، فهذا أمر حرام بالذات أولاً ، وليس بمحرم من باب البدعة الشرعية ، بمعنى التدخّل في أمر الدين والتسنين فيه والتشريع على خلاف ما شرّعه الشارع ، وإنّما هو عمل محرّم اتّخذ رائجاً لا باسم الدين ولا باسم الشريعة ، وأقصى ما يعتذر بأنّه مقتضى الحضارة العصرية ، مع الاعتراف بكونه مخالفاً للشرع ، ولو قيل إنّه بدعة قبيحة أو مذمومة ، فإنّما هو بحسب معناها اللغوي.
وبذلك يظهر أنّ أكثر من أطنب الكلام في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة فقط خلط البدعة في مصطلح الشرع بالبدعة اللغوية ، فأسهبوا في الكلام وأتوا بأمثلة كثيرة زاعمين أنّها من البدع الشرعية مع أنّ أمرها يدور بين أمرين :
إمّا أنّها عمل ديني يؤتى بها باسم الدين والشريعة ، ولكن يوجد لها أصل فيهما ، فتخرج بذلك عن عنوان البدعة ، كتدوين الكتاب والسنّة إذا خيف عليهما التلف من الصدور ، وبناء المدارس والرُّبُط (١) وغيرهما. وقد مثلوا بالتدوين للبدعة الواجبة ، وببناء المدارس والرُّبَط بالبدعة المستحبّة ، مع أنّهما ليسا ببدعة لوجود أصل صالح لهما في الشريعة.
أو أنّها عمل عادي لا يؤتى بها باسم الدين بل يؤتى بها لأجل تطوير الحياة وطلب الرفاه ، فتكون خارجاً عن موضوع البدعة في الشرع ، كنخل الدقيق ، فقد
__________________
(١) جمع رَباط ؛ وهو ما يبنى للفقراء ، مولَّد (المصباح المنير : ص ٢١٥ ط دار الهجرة)