وانسدّت حينئذ أبواب
الملائكة ، وامتلأت جوانبها من الظلمات ، وانطفت أنوار اليقين والايمان ، وصارت
محلاً للوساوس الشيطانيّة أبداً ، ولم يبق حينئذ مجال لدخول الملائكة فيها.
وإن لم تحصل السلطنة والملكيّة التامّة
المستقرّة لإحديهما ، بل كانت النفس مضماراً لمعركتهما ومحلاً لمنازعتهما فتارة
تسوق العاقلة خصيميها وتطردهما فتخطر فيها خواطر الخير وتبعثها إليه ، وتارة
بالعكس ، فتخطر فيها خاطر السوء وتدعوها إليه ، ولاتزال النفس متجاذبة من الطرفين
إلى أن تصل إلى ما خلقت لأجله.
لكنّك عرفت أن جند الشيطان أكثر ،
وموافقة الطبيعة لها أظهر ، ومسالكه أسهل وأجلى ، فسلطنته سارية لناريّته ودوام
حركته وطيرانه في دم الإنسان ولحمه ، ومحيطة بمجامع قلبه وبدنه ، ولذا قال :
(
لآتينّهم
من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
)
ولأجله ملكوا جلّ القلوب وفتحونها ، قلاعها
، وتمكّنوا في مساكنها ، وتوطّنوا في مواطنها ، وتصرفوا في حصونها ، فبعد ما
صيّروا أبوابها بالغلبة مفتوحة لم يبق لأربابها عن وساوسهم مندوحة ، فلا منجى عنهم
ولا مفزع منهم الا بالرياضة التامّة ، والمجاهدة العظيمة التي تحصل بها بصيرة
مشرقة باطنية وقوّة قدسيّة ملكوتيّة على سدّ تلك الأبواب ، وفتح ذلك الباب بتأييد
غيبيّ من المعين الوهّاب.
ثم لكلّ منهما أمارات ، كاليقين والهوى
، والتفكر في آيات الأنفس والآفاق على نظام يزيل الشك والشبهة ويحدث المعرفة
والحكمة في القوّة
__________________