ومطالعة جلاله ، وانمحى في أنوار تجلياته المفاضة عليه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على خاطر ، ووصل إلى مقام التوحيد الذي هو من أعلى المقامات ، وهذا وإن أمكن حصوله له في حال التعلّق بالبدن والتجرّد عنه كما عرفت في بحث السعادة الا أنّك عرفت أيضاً أنّ الشهود التامّ والابتهاج الصافي عن شوب كلّ كدر لايحصل الا بعد التجرّد وأنّه وإن لاحظ بنور البصيرة في هذه النشأة جمال الحقّ الا أنّه في الأغلب غير خال وإن بلغ مابلغ عن كدورات الطبيعة ، وأنّ الصافي منه لو حصل له مرّ كالبرق الخاطف ولذا إنّ الدنيا سجنه ويشتاق أبداً إلى خلاصه من هذا السجن الذي به احتجب عن مشاهدة محبوبه والوصول إلى مطلوبه ، ويقول :
حجاب چهره جان مى شود غبارتنم |
|
خوشا دمى كه از آن چهره پرده برفكنم |
چنين قفس نه سزاى چو من خوش الحانى
است |
|
روم به گلشن رضوان كه مرغ آن چمنم |
وهذا هو آخر مراتب العشق الذي هو أقصى الكمال المتصوّر في حقّ الإنسان ، فلا مقام بعده الا وهو من ثمراته كالأنس والرضا والتوحيد ولا قبله الا وهو من مقدّماته ومباديه كالصبر والزهد وغيرهما وهو غاية منى السالكين ومنتهى آمال العارفين ، بل هو غاية الإيجاد ومنه المبدء وإليه المعاد.
تلميع
قالوا أكثر أقسام المحبّة فطريّة طبيعيّة كمحبّة المتجانسين والمتناسبين والعلّة والمعلول والجمال لذاته ، والكسبي الإرادي قليل كمحبّة المتعلّم للمعلّم ، بل يمكن إرجاعه إلى الطبيعي أيضاً ، وإذا كان الحبّ طبيعيّاً فأثره ومقتضاه أعني الاتّحاد يكون كذلك أيضاً ، ولذا إنّه أفضل من العدالة المثمرة للاتّحاد الصناعي ، بل لا حاجة معه إليها ، لأنّها فرع الكثرة المحوجة إلى الاتّحاد القسري كما عرفت ، بل صرّح قدماؤهم بأنّ قوام عالم الوجود