ورد الدعاء بطول العمر والصحّة والقوّة جميعاً في الأدعية المأثورة.
فإن قلت : هذا واضح فيما سوى الجمال فأيّ فائدة فيه؟
قلت : أمّا نفعه في الدنيا فظاهر ، وأمّا في الآخرة فلنفرة الطباع عن القبيح وقرب حاجة الجميل إلى الاجابة واتّساع محلّه في الصدور ، فكأنّه نوع قدرة على تنجّز الحاجات الغير المقدورة للقبيح فهو جناح مبلّغ كالمال ، وربّما دلّ على فضيلة النفس لأنّ نور النفس إذا تمّ إشراقه تأدّى إلى البدن ، ولذا عوّل أصحاب الفراسة في معرفة مكارمها على هيئة البدن وقالوا : الوجه والعين مرآة الباطن ، ولذا يظهر فيه أثر السرور والهمّ والغمّ.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ». (١)
وأفتى الفقهاء في صورة تساوي المصلّين في الصفات المعتبرة بتقدم الأحسن وجهاً ولا أقصد من الجمال المحرّك للشهوة فإنّه أنوثة ، بل ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وموافقة خلقة الوجه بحيث لاينبو الطباع عن النظر إليه.
فإن قلت : ما ذكرته من كون المال والجاه من النعم ينافي ماتواتر من ذمّهما وذمّ حبّهما.
قلت : تقدّم التفصيل في ذلك وأنّهما كحيّة فيها سمّ وترياق ، ولهما غوائل ومنافع ، وإنّما هما من النعم لمن عرف الوجهين وأخذ منهما ما ينتفع به لآخرته ، وأمّا من أخذهما من غير معرفة صار ذلك باعثاً للهلاكة فلا يكونان حينئذ من النعم ، ولذا ورد المدح أيضاً وإن كان الذمّ أكثر ، فإنّ غير العارف أكثر من العارف.
وأمّا الأربعة الأخيرة الراجعة إلى الهداية والتوفيق ، فلا يستغني عنها أحد ، إذ التوفيق عبارة عن الاجتماع والمطابقة بين إرادة العبد وقضاء الله تعالى وقدره فيشمل الخير والشرّ والسعادة والشقاوة ، فما يوافق السعادة من
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ١٨٦.