المخلوقين كان حقّاً على الله أن يسخط الخلق عليه كما جرّبناه مراراً ، وكيف يرضى عاقل بتوقير مثله العاجز عن إحسانه وإساءته وتحقير مولاه المنعم المحسن إليه القادر على الانتقام عنه وممّن يوفقهم في معصيته ، بل اللازم الغضب عليهم لله سبحانه لعصيانهم له بأفحش الذنوب.
وأمّا التنزيه فمرجعه إلى سابقه في الحقيقة لأنّه دفع لمقت الخلق شكّاً أو وهماً بما يسخط الربّ يقيناً وهو من غاية الجهل والحماقة ، وأشدّ منه الاعتذار بحصول شريك له فيه ، إذ لايجوز الاقتداء بالغير في المعاصي والقبائح ، فلو سقط أحد من الجدار بجهله فأسقطت نفسك مع التمكّن عن الشرع ، بل ضحكت بنفسك ممّن يعتذر بمثله تعجّباً من نقصان عقله ، فكيف وقد أضفت إلى حماقتك الفاضحة عصياناً مجدّداً.
وأمّا تزكية النفس والافتخار فبأنّ فضيلتك سقطت بهما عن الاعتبار عند الله سبحانه يقيناً وغير معلوم ثبوتها عند الخلق بذلك ، بل المظنون سقوط منزلتك عندهم أيضاً بمدح نفسك وذمّ غيرك فهو بيع لما عند الله يقيناً بما عند المخلوقين وهماً ، ولو فرض ثبوت اعتقادهم فيك لم يغنوا عنك من الله شيئاً ولم ينفعوك أصلاً.
وأمّا الاستهزاء فما أقبح حال من غفل عن خصارته في حسناته وخزيه وهوانه بحمله سيّئات من يستهزي به مساقاً (١) إلى جهنّم وما أجهله بعاقبة حاله ولو عرفها كان أولى بالضحك من نفسه والاستهزاء بها.
وأمّا التعجّب فهو أحرى بالتعجّب وهتك الستر فيتعجّب منه ، كما هتك ستر الغير بحيث تعجّب منه.
وأمّا الرحمة فهو حسن الا أنّ إبليس حسده فغرّه فإنّ تنطّقه بما ينقل
__________________
١ ـ كذا ، والظاهر : مسوقاً أي يحمل سيئات من يستهزىء به ويساق إلي جهنّم.