إليه ساببقاً إذا كانا فيما يحتاج ليه لأمر الآخرة وضروري الدنيا مع صحّة النيّة فيهما وخلوصهما عن الأغراض الفاسدة ، فالاعتزال قبل التعلّم اللازم تضييع للأوقات بما لا ينفع بل يضرّ ، بل يحسب ( من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ). (١)
وكذا ترويج العلوم بالتعليم وإرشاد الناس إلى الصراط المستقيم من أفضل الطاعات مع خلوص النيّات وحصول القابل للتعلّم الجامع لآدابه السالفة دون ماشاع في هذا العصر منهما ، فإنّ فسادهما أكثر من نفعهما كما لا يخفى.
ومنها : النفع والانتفاع بالمكاسب والمعاملات إن احتاج إليها أو قصد مقصداً صحيحاً شرعياً ، لكن لو كان عنده ما يكفيه مع القناعة كان الأفضل له العزلة لانسداد طرق المكاسب في هذه الأزمنة غالباً الا من المعاصي ، وكذا العزلة لتحصيل المعارف الحقّة أفضل من الكسب للصدقة على الناس ، ونفع الناس بماله أو بدنه وبالقيام بحوائجهم وقضائها له ثواب عظيم مع القيام بحدود الشرع فهو أفضل من العزلة للنوافل والأعمال البدنية الا أنّه لايعادل العزلة للاقبال بكنه الهمّة على الله والتجرّد لذكره والانس بمناجاته عن كشف وبصيرة لا عن أوهام فاسدة وخيالات باردة وظنون واهية لمن وفّقه الله للوصول إلى تلك المرتبة العالية.
ومنها : التأدّب ، أي الارتياض بمقاساة الناس والمجاهدة في تحمّل أذاهم كسراً للنفس وقهراً للشهوات ، وهذا مما يحتاج إليه في بدو السلوك ، وأمّا بعد حصول الارتياض فلا ، إذ ليس مقصوداً لذاته ، فإنّ البدن مركب للنفس تسلك به سبيل الآخرة ، فلابدّ من رياضتها وكسر شهواتها حتى لا تهمج (٢) وينتفع بركوبه وسلوكه للطريق بالوصول إلى المقصد ، فلو اشتغل برياضتها
__________________
١ ـ الكهف : ١٠٤.
٢ ـ كذا ، والظاهر : لاتجمع كما في المحجّة البيضاء (٤ / ٣٠).