وصبر في المصيبة عند الصدمة الاولى فله تسعمائة درجة ».
ولأنّ كل مؤمن يقدر على الصبر عن المحارم ، وأما الصبر على بلاء الله فلا يقدر عليه الا ببضاعة الصدّيقين ، لكونه شديداً على النفس. (١)
قال بعض المعاصرين : والحقّ أنّ اطلاق الأفضلية في كلّ منهما غير صحيح ، إذ القول بأنّ الصبر عن كلمة كذب أو ليس ثوب حرير لحظة أكثر ثواباً من الصبر على موت أعزّة الأولاد بعيد.
وكذا القول بأنّ الصبر على فقد درهم أكثر ثواباً من كفّ النفس عن كبائر المعاصي فطامها عن اللذّات والشهوات مع القدرة عليها ، بل الصحيح التفصيل بأنّ كلّ ما كان أشقّ على النفس فثوابه أكثر ممّا هو أيسر وأسهل ، فإنّ أفضل الأعمال أحمزها ، وبه يحصل الجمع بين الأخبار. (٢)
وأنت تعلم أنّ هذا الكلام خال عن التحصيل ، لأنّ الكلام في ترجيح المتساويين في المشقّة على النفس والا فلا يلتزم أدنى محصّل فيما فرضه هذا الفاضل ترجيح الأسهل على الأصعب ، فضلاً عن مثل ذلك المحقّق الوحيد والامام الفريد. فالحقّ في الجمع بعدما بيّناه من مرتبتي الصبر عند المصيبة ، أنّ الصبر على المعصية أفضل من أدناهما خاصة ، لظهور أنّ مرتبة المحبّة والرضا والتسليم من أعلى المراتب ، ولا يفوز بها الا الصدّيقون والمقرّبون ، والمرتبة الأعلى منهما لاتحصل الا بعد حصولها.
وكيف يتأمّل أحد في كون آخر درجات الايمان أعلى من أوّلها أعني الصبر على المحارم؟
وأمّا الأدنى فهو سهل المأخذ ، بل هو أوّل درجات الصبر وأقلّ ثواباً من الصبر على المعصية لمقدوريّتها وكثرة دواعيها فتجرّع مرارة الصبر في تركها خوفاً من الله وشوقاً إلى رضاه أشقّ وأصعب من ترك الاعتراض على
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ١٢٦.
٢ ـ جامع السعادات : ٣ / ٢٨٩.