فهي حينئذ متّصفة بوصف الصبر والثبات ، وإن غلبتا عليها فسلّمت الأمر إليهما بالمرّة كانت النفس أمّارة بالسوء خفابت وخسرت كما قال تعالى ( وقد خاب من دسّيها ). (١)
وإن طال التشاجر بينها فربما غلبتا عليها بالإقدام على المعاصي ، وربما غلبت عليهما باللوم والندامة ، فهي حينئذ لوّامة فيحث لها عند عروض داعي الهوى اضطراب عظيم لجذبهما لها إلى مايدعوانها إليه ومنعها إيّاهما عنه ، وحينئذ فإن غلب داعي الهوى ولم يقدر على ترك مايدعوه إليه ألحقت بالثانية ، وإن جاهد في دفعه إلى أن وفّقه الله للغلبة عليه تركه لما يدعوه إليه سمّي فعله ذلك تصبّراً.
ثم إذا استديم ذلك منه وقوي تصديقه بما في العاقبة من الحسنى وكرّر المجاهدة في دفع داعي الهوى تيسّر له ذلك بسهولة من غير تحمّل كلفة ، كما قال تعالى ( وأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى ). (٢)
وحينئذ يصير من زمرة الطائفة الاولى متّصفاً بالصبر والثبات ، ثم يورثه الله بعد رسوخ هذه الصفة التي هي من أشرف الصفات مقام الرضا بما يقدّر له من الحالات ثم ينتقل إلى مقام المحبّة التي هي من أعلى المقامات وغاية الغايات.
فظهر ممّا ذكر أنّ مقام الرضا أعلى من الصبر.
قال صلىاللهعليهوآله : « اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكرهه خير كثير ». (٣)
ثم الصبر قد يطلق على خصوص الثبات في المكاره الذي يقابله
__________________
١ ـ الشمس : ١٠.
٢ ـ الليل : ٥ ـ ٧.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ١٢٠.