ثم من أخسّ مراتب النبات إلى أشرف أنواعه وهو النخل مثلاً المتّصل بأخسّ أنواع الحيوان ، والمتّصف باغلب صفاته المترتّبة على النفس الحيوانيّة كالضعيف من الدود وبعض أنواع الحشرات المتكونّة في بعض فصول السنة دون بعض ، مراتب كثيرة شرفاً ودوناً.
وكذا من أخسّ أنواع الحيوان إلى أشرفها كالصقر أو الفرس مثلاً ، المتّصل بادون أنواع الانسان مراتب موفورة شرفاً وخسّة ، لكن جميع المراتب المتقدّمة مع شدّة اختلافها مشتركة في كون حركاتها طبيعية.
ثم بعد هذه تناط الحركة بالارادة النفسانيّة ، ولها أيضاً مراتب غير محصورة ، فكلّما كان إدراكه أدون وأضعف كان أدون من حيث الشرف ، وكلّما كان وصوله من نقصان إلى كمال بتوسّط القوى والآلات أكثر وأظهر كان أعلى وأشرف ، إلى أن يصل إلى مقام الفناء والوحدة المحضة ، يكون أشرف الموجودات ، ويتصّل به دائرة الموجود كالخط المستدير إذا بدأت بنقطة منه ثم ختمته بها فتنتفي الوسائط والترتيب والتضاد ، ويتّحد المبدأ والمعاد ( ويبقى وجه ربّك ذوالجلال والإكرام ) (١).
فظهر ممّا ذكر أنّ المرتبة الإنسانية واقعة في بدو الفطرة في أوسط مراتب الموجودات ، وانّ للانسان طريقاً إلى الأعلى بإرادته ، وإلى الادنى بطبيعته ، فإن خلّى زمام أمره بيد طبيعته تنزل يوماً فيوماً ، وحفّ بالشهوات الرديّة ، وبقي في المرتبة الادنى من مراتب الموجودات ، بحيث لايوجد أدون منها في عالم الأكوان. وإن مال بإرادته إلى الطريق المستقيم والنهج القويم والعلوم الحقّة والمعارف الحقيقية والفضائل النفسانية وتوجّه إلى نيل الكمال المركوز في جبلّته واشتاق إلى السعادة الحاصل الستعدادها في فطرته ، وصل تدريجاً إلى المقام المحمود ، إعني مجاورة الملأ الأعلى والاستنارة بأنوار الحق تعالى.
هي النفس إن تهمل تلازم خساسة |
|
وإن تنبعث نحو الفضائل تلهج |
__________________
١ ـ الرحمن : ٢٧.