تكدّرها بها وطول صدأها قد وصلت إلى حد الرين والطبع لم تقبل الاصلح والتصقيل مطلقاً ، فلاتصال إلى مقام الكشف والشهود أبداً ، وإن لم تصل إلى ذلك الحد لم يصل إليه الا بعد مدّة مديدة يعرض عليها النار حتّى ينقلع عنها الخبث الحاصل لها من كدورات الدنيا بقدر ما حصل لها ، فكلّما كان صفاء القلب أكثر كان أمكمن من الوصول ، ولايحصل الا بالكفّ عن شهوات الدنيا وقطع العلاقة القلبيّة عنها وتطهير النفس عن أدناسها.
وأمّا اللذّة المترتّبة على حبّ الله الحاصل من المعرفة والتفكّر فلاتحصل أيضاً الا بترك الدنيا وحبّها ، فإنّ الموت ليس عدماً صرفاً ، بل هو فراق لمحابّ الدنيا وقدوم على الله ، فإذا كان العبد محبّاً لله تاركاً للدنيا ارتفع بموته الحجاب المانع له عن وصوله إلى محبوبه ، فتحصل له لذّة المشاهدة واللقاء ويصير له القبر روضة من رياض الجنّة حيث إنّ محبوبه منحصر فيما وصل إليه ، فيقدم عليه سالماً منالعوائق آمناً من الفراق مستخلصاً نفسه عن السجن الحاجب بينه وبين محبوبه ، وإن كان محبّاً للدنيا لم يتمكّن مع ذلك من حبّ الله لتناقض الحبّين ، فلايمكن اجتماعهما في قلب واحد ، ولو فرض إمكانه فلايمكن معه الوصول إلى الله ، لأنّ تلك العلاقة الباقية للنفس بعد الموت بالدنيا حاجبة لها عن الوصول إليه حتّى تلتذّ بمشاهدته ولقائه ، كما كان في الدنيا ، فلاتحصل له تلك اللذّة المتفرّعة على الحبّ ، بل يتألّم ويعذّب ، لأنّه حيل بينه وبين محبوبه ، أعني الدنيا وانسدّت عليه أبواب الحيلة في الرجوع إليه.
وأما الأنس به تعالى فهو إنّما يحصل بالمواظبة على ذكر الله والمداومة عليه حتّى يأنس قلبه به والانس والحبّ متلازمان [ فمن استأنس بشيء ابتهج بمشاهدته والتذّ بملاقاته ]. (١)
وقد عرفت أنّ الحياة حاجبة عن اللقاء والمشاهدة وبالموت يرتفع
__________________
١ ـ كما في « الف » فقط.