عزّوجلّ : ( وعباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ). (١) وقد أمر الله تعالى خير خلقه وسيّد بريّته محمّداً صلىاللهعليهوآله بالتواضع فقال : ( واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمن ) ، (٢) والتواضع مزرعة الخضوع والخشوع والحياء والخشية ، وأنّهنّ لايأتين (٣) الا منها ، ولايسلم الشرف التامّ الحقيقي الا للمتواضع في ذات الله ». (٤)
ومنه يظهر أانّ ما شاع في عصرنا هذا من شدّة الخضوع الخشوع والتذلّل بالنسبة إلى أهل الدول والأغنياء والحكّام وغيرهم من أهل الدنيا ولاسيّما من العلماء وتسميتها تواضعاً [ خطأ و ] (٥) تدليس ، بل هي مكر وتلبيس ، وهي التملّق والتذلّل المذموم الواقع في طرف التفريط من فضلية التواضع ، وإنّما التواضع الذي هوالعدل حقيقة إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، فتواضع العالم لمثله إذا ورد عليه القيام له وتخلية مجلسه وحفظ مراسم الأدب بالنسبة إليه ، ولو فعل ذلك للأغنياء وأهل الدول كان تملّقاً مذموماً ، ولو فعله للسوقي كان تخاسّاً وتذلّلاً ، وإنّما تواضع السوقي باليسر من الكلام واللين والرفق معه في المكالمة ، وإجابة دعوته والسعي في قضاء حاجته ، [ وأن لاينظر إليه بعين الحقارة ، وأنّ له مزيّة ] (٦) وأمثال ذلك.
وتواضعه للمتكبّرين من أهل الدول بالكبر عليهم كما ورد في الخبر (٧) ، إذا الانكسار لهم مع كونه تملّقاً مذموماً إعانة لهم على عدوانهم وتثبيت لهم على تكبّرهم ومبالغتهم في صفتهم المذمومة ، فلعلّ في التكبّر عليهم يحصل لهم التنبّه على خطائهم الباعث على تركهم له.
__________________
١ ـ الفرقان : ٦٣٣.
٢ ـ الشعراء : ٢١٥.
٣ ـ كذا ، وفي مصابح الشريعة : « لاينتن الا منها وفيها ».
٤ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٥٥ نقلاً عن مصابح الشريعة (الباب ٥٨).
٥ ـ كما في « الف ».
٦ ـ كما في « ب ».
٧ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٢٢.