حالهم وما أغفله عن كيفيّة مآلهم ، كيف والانتساب إلى الخنازير والكلاب أحسن من الافتخار بتلك الأنساب. ولو ارتفع عنه الحجاب واطّلع على ما هم فيه من أليم العذاب وعظيم المصاب ونظر إلى صورهم المشوّهة في النار وما لحقهم من النتن والاستقذار لا ستننكف منهم وتبرّأ عنهم.
وروي أنه افتخر رجلان عند الكليم عليهالسلام فقال أحدهما : أنا فلان بن فلان إلى أن عدّ تسعة ، فأوحى الله إلى الكليم قل له : « كلّ التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم ». (١)
وإن كان من جماله ، تأمّل في سرعة زواله بعروض أدنى مرض وألم ، ثم عروض الشيب والهرم ، ثم لحوق الفناء والعدم.
ثم في ما وكل في كلّ عضو منه من الأقذار المنفرة والفضلات القبيحة القذرة كبصاق الفم ومخاط الأنف ووسخ الاذن وصديد البشرة ونتن الابط وفضلات المعدة كالبول والعذرة ووجع (٢) الأمعاء وديدان الأحشاء وخروج ما لو رآه تنفّر عن رؤيته من بطنه كلّ يوم ، فضلا عن مسّه أو شمّه لكثافته ونتنه مع ما كان في أوّل أمره من النطفة ودم الحيض وخروجه عن مجاري الأقذار كالذكر والرحم والفرج ولو لم يتعاهد لنفسه التنظيف من الأقذار على الدوام كان أشوه من مهملات الدوابّ والأنعام.
وما يؤول إليه أمره بعد شيبه من قبح الصورة ثم موته وصيرورته جيفة قذرة ، فكيف يعجب بالهيأة التي هذا دوامها وحقيقتها.
وإن كان من المال ، تأمّل في آفاته من الغصب والنهب والحرق والغرق وغيرها من أسباب وزواله.
ثم في كون كثير من النصارى واليهود والمجوس والهنود أكثر مالاً منه. فتّباً لشرف لا وثوق له ببقائه في ساعة فضلاً عن أيّام وليال ويسبقه فيه من
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٤٣.
٢ ـ كذا ، والظاهر : « رجيع الأمعاء » كما في المحجة : ٦ / ٢٥٨.