وكون قدرته الضعيفة من مواهبه تعالى أحقّ بترك الغضب ، واللائق بحالة استعمال الحياء والأدب.
ثم في انه كيف يأمن من مكافاته تعالى مع قدرته على نصرة المظلوم وأخذ حقّه سيّما مع وعده بذلك.
وقد روي أنّه ما كان ملك في بني إسرائيل الا ومعه حكيم إذا غضب أعطاه صحيفة فيها : ارحم المساكين ، واخش الموت ، واذكر ربّك ، فكان يقرؤها حتّى يسكن غضبه (١).
وفي الحديث القدسي : « اذكرني حين تغضب ، أذكرك حين أغضب ، فلا أمحقك فيمن أمحق ». (٢)
ثم في أن تعالى يحبّ منه ترك الغضب ، فإن كان صادقاً في محبّذة الله أطفأ غضبه بشدّة حبّه له تعالى.
ثم في أن من يغضب الآن عليه ربّما تقوّى بعده للمعارضة والمكافاة بذكر فضائحه وترويج قبائحه وتشهير معائبه والشماتة عليه في مصائبه وغير ذلك.
ثم في أن السبب الداعي لغضبه إن كان الخوف من توصيف الناس له بالعجز والمهانة فلاشكّ في أن الحلم والعفو وكظم الغيظ من آثار قوّذة النفس والشجاعة ، وليست من الذلّ في شيء ، ولو في أعين الناس.
ولذا ترى أنّ من تعدّى على غيره بالسبّ والشتم والضرب وسكت الآخر عنه مع قدرته على الانتقام منه مدحه الناس ، وفتحوا لسان الذمّ والطعن على المتعدّي البادي ، ومع فرض سقوطه في أعين الأراذل ينبغي أن لايبالي به ، ويتفكّر في أنّ الاتّصاف بالذلّة في نظر الأخسّاء أحسن من ارتكاب ما يترتب عليه اللوم والندامة والذلّذة والخزي في يوم القيامة.
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٠٦.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٠٦.