وغير ذلك ممّا لا يحصى.
وقد تحقّق منها أنّ العالم للدنيا أخسّ حالاً من الجاهل ، وأنّ العلم الموجب للقرب إلى ربّ الأرباب هو ما كان للآخرة ، ولعلمائها أمارات عمدتها الزهد في الدنيا ، فإنّ أقلّ مراتب العلم العلم بحقارة الدنيا وكدورتها وفنائها وجلالة الآخرة وصفائها وبقائها ، وأنهما كالضرّتين (كالضدّين خ ل) لايجتمعان ، فإن لم يعلم الاولى كان فاسد العقل فلا يكون عالماً ، ومن لم يعلم الثانية كان كافراً فلا يكون عالماً ، ومن لم يعلم الثالثة كان جاهلاً أو كافراً بشرائع الأنبياء ، فكيف يعدّ من العلماء ومن علمها جميعاً ولم يؤثر الآخرة على الدنيا كان عبداً أسيراً لشهوته ، فكيف يكون له درجة العلماء ، كما قيل :
وراعي الشاء يحمي الذئب عنها |
|
فكيف إذا الرعاة لها ذئاب |
ويتفرّع على هذه الملكة الشريفة كون صاحبها متجنّباً من علوم الدنيا الا الآخرة بعد الفراغ من علومها وكونه هارباً عن أرباب الدول ومخالطتهم سيّما السلاطين متوسلّاً بها إلى مال أو جاه ، فلو جعلها وسيلة إلى إقامة نظام النوع وإعلاء الدين وقمع المبدعين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان من أفضل الأعمال كما كان عليه جماعة من أعيان أصحاب الأئمة عليهمالسلام وأكابر العلماء الأعلام ، وورد في الأخبار أيضاً.
وموافقة فعله لقوله :
فعن الصادق عليهالسلام في قوله تعالى : ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) (١) « يعني بالعماء من صدّق قوله فعله ، ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم ». (٢)
ومن أماراتهم التوقّف في الفتوى والاحتراز عنه مهما أمكن ، وكذا
__________________
١ ـ فاطر : ٢٨.
٢ ـ الكافي : ١ / ٣٦ ، كتاب فضل العلم ، باب صفة العلماء ، ح ٢.