الآيات الأخيرة من سورة يس الآية ٨٠ مواصلة للبحث بشأن القيامة والمعاد : (الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ ناراً فَاذَا انْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ). ويالها من عبارة عجيبة رائعة! وما ينبغي الإلتفات إليه هنا هو أنّ لهذه الآية كسائر الآيات القرآنية عدّة معاني : بعضها «بسيطة» ليفهمها عامة الناس وفي كل عصر ومصر ، وبعضها الآخر «عميقة» للخواص ، وأخيراً «عميقة جدّاً» للنخبة من الخواص ، أو للعصور والقرون القادمة (بالنسبة لزمان نزول الآية).
المعنى الأول للآية الذي أشار إليه بعض قدماء المفسّرين هو أنّ العرب في العصور القديمة كانت تستفيد من بعض أخشاب الأشجار الخاصّة مثل «المرخ» و«العفار» (١) التي تنبت في صحاري الحجاز من أجل إشعال النار ، فقد أشارت الآية إلى اولئك بالقول : أنّ الله القادر على الإتيان بالنار من الماء (فالقسم الأعظم من الشجر الأخضر هو الماء) قادر أيضاً على خلق الحياة من باطن الموتى! أو ليس بعد «الماء» عن «النار» شبيه ببعد «الحياة» عن «الموت»؟!
فمن يأتى بالنار من الماء ، ويحفظ الماء في جوف النار ، لا يتعذر عليه إفاضة الحياة على بدن الإنسان بعد موته.
وإذا تقدمنا أكثر نرى أنّ مسألة خاصية إشعال النار بواسطة أخشاب الأشجار لايقتصر على تلك الأخشاب المعروفة بالمرخ والعفار ، بل تلك الخاصية موجودة في جميع الأشجار ـ وإن كانت تلك الأخشاب المعروفة تتصف ببعض الخصائص والمواد التي تجعلها أكثر إستعداداً لذلك العمل
__________________
(١) المرخ بالفتح والسكون والعفار بالفتح نوعان من الخشب يجعل الأول تحت الثاني فاذا دلكا خرجت منهما النار.