حقّاً أنّ الشيء الذي نسير إليه بهذه السرعة إنّما هو ردّ فعل لجذور أساسية داخل وجودنا ، إنّنا لا نؤمن بمثل هذه الحقائق من خلال الأدلة المادية ، بل عن طريق الإلهام والإدراك الباطني ، فالإلهام يعتبر دائماً العامل الوحيد المهم لإدراك الحقائق ، وحين يبلغ العلماء حقيقة علمية تحتاج إلى إثبات ، فانّهم يدركون تلك الحقيقة بوحي من الإلهام على حدّ تعبير «برجسون». (١) والإعتقاد بالحياة بعد الموت من هذه الإلهامات الفطرية.
المشي في المتاهات
رغم أنّ الإلهامات الفطرية تساعد الإنسان في كشف أسرار الحياة الآخرة بعد الموت ، إلّاأنّها مالم توجه بصورة صحيحة فانّها تصبح هالة من الخرافات والأساطير الغريبة ، ألا ترى إلى الكهنة والشعابذة كيف كانوا يدفنون الفتيات الجميلات إلى جوار الملوك والسلاطين في أفريقيا والمكسييك. يبدو أنّ هناك بوناً شاسعاً بين الدنيا المعاصرة وتلك التي كانت قبل ستة آلاف سنة.
لم يكن هناك من وجود لهذه الأدوات والوسائل الفلزية المتنوعة ، حيث كانت تقتصر حياة الإنسان على الحجر والخشب والعظام وجلود الحيوانات ، وما أصعب العيش في ظل هذه الوسائل فقط ، ولكن مع ذلك كانت تلك الحياة مقارنة بما نحن عليه أكثر هدوءاً وإستقراراً ، فلم يكن هناك صوت للسيارات الفخمة ولا ضوضاء وصخب لانفجار القنابل ولا زئير للطائرات التي تكسر حاجز الصوت ، فقد كانت حياة ـ كالموت ـ غاية في البساطة دون أي تعقيد!
__________________
(١) روح الدين الإسلامي ، ص ١١٦.