الهوى والنفاق كانا عونا له على السير إلى الله عزوجل والقرب منه ـ ولا ينبغي لمن توفرت له هذه الشجاعة أن يقصد من دونه من أطراف القوم وأوشابهم بالقتال ، بل يقصد إلى الأقران من خصومه فإن العز تحت مقاتلهم ، ثم عليه أن يسمع لنصيحة خبير مجرب ، يعني نفسه رحمهالله عنده علم بكل ما عند الورى من مذاهب وآراء ، وهو يقسم بالله أنه ليس عندهم أفضل ولا أنفع مما أخذوه عن الرسول صلىاللهعليهوسلم وما وراءه مما يقول الناس فهو اما بدعة محدثة لا أصل لها في دين الله ، وإما فرية مختلقة افتراها أحد الكذابين ، وأما بحث يقصد منه اثارة الشكوك والشبهات حول العقائد الصحيحة المسلمة ، وإما رأي مأثور عمن ليس قوله حجة ولا له عليه دليل.
* * *
فاصدع بأمر الله لا تخش الورى |
|
في الله واخشاه تفز بأمان |
واهجر ولو كل الورى في ذاته |
|
لا في هواك ونخوة الشيطان |
واصبر بغير تسخط وشكاية |
|
وأصفح بغير عتاب من هو جان |
واهجرهم الهجر الجميل بلا أذى |
|
أن لم يكن بد من الهجران |
وانظر إلى الأقدار جارية بما |
|
قد شاء من غي ومن إيمان |
الشرح : الصدع بالأمر معناه الجهر والاعلان ، كما قال تعالى لنبيه عليهالسلام : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر : ٩٤] والمعنى فاجهر بكلمة الحق ولا تكتمها خشية الناس ، فإن الله أحق أن تخشاه وفي خشيته الفوز بكل طمأنينة وأمان ، ولو اقتضاك الجهر بكلمة الحق أن تعادي الناس جميعا وتهجرهم في ذات الله عزوجل لا في سبيل هوى النفس ونفخة الشيطان ، فلا يثقلن عليك ذلك ، وتلقه بالصبر الجميل في غير ضجر ولا شكوى ، واصفح الصفح الجميل دون عتب على من جنى عليك وآذاك ، وإذا اضطررت إلى هجر الناس واجتنابهم ، فليكن هجرك جميلا غير مصحوب بأذى ، وليكن نظرك إلى