التلاشي والزوال السريع ، كمثل دخان تصاعد إلى طبقات الجو العليا ، ثم أخذ بعد ذلك في الهبوط إلى الحضيض.
وأما أهل الحق فإنهم لا يقاتلون أعداءهم بكثرة عددهم ، ولكن بجليل أعمالهم وقويم أخلاقهم ، ولو كانت المسألة مسألة عدد لما استطاعوا أن يفتحوا هذه الممالك العتيدة ، ويواجهوا هذه الجيوش الجرارة التي كانت تفوقهم عشرات بل مئات المرات. وكذلك ما فتحوا قلوب الناس للهدى وحببوا إليها الإسلام بمثل هذه الآراء المبتدعة التي يتبجح بها المتفلسفة وعلماء الكلام ، وإنما كانت تقوم دعوتهم على العلم والإيمان مما جمع حولهم القلوب وحملها على الطاعة والاذعان.
* * *
وشجاعة الفرسان نفس الزهد في |
|
نفس وذا محذور كل جبان |
وشجاعة الحكام والعلماء زه |
|
د في الثنا من كل ذي بطلان |
فإذا هما اجتمعا لقلب صادق |
|
شدت ركائبه الى الرحمن |
واقصد إلى الأقران لا أطرافها |
|
فالعز تحت مقاتل الأقران |
واسمع نصيحة من له خبر بما |
|
عند الورى من كثرة الجولان |
ما عندهم والله خير غير ما |
|
أخذوه عمن جاء بالقرآن |
والكل بعد فبدعة أو فرية |
|
أو بحث تشكيك ورأي فلان |
الشرح : يقسم المؤلف الشجاعة إلى شجاعة مادية يتصف بها الفرسان في ميدان القتال ، ويعرفها بأنها الزهد في الحياة واسترخاص النفوس في حومة الوغى ، وهذا ما لا يطيقه الجبان ويتحاماه ، وإلى شجاعة معنوية ويتصف بها العلماء والحكام الذين يقولون قولة الحق ولا يخشون فيها أحدا ويعرفها بأنها الزهد في المديح والثناء الذي يزجيه أهل الباطل لمن يجاريهم على باطلهم ولا يواجههم بالحق خوفا من هياجهم عليه وذمهم له ، ولا شك أن الشجاعة في الحق أفضل أنواع الجهاد كما قال عليهالسلام «أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر» فإذا اجتمعت هاتان الشجاعتان لقلب صادق العزم بريء من