وارادتهم ، حتى أراحهم جهم وشيعته من عودهم بالأئمة على أنفسهم كلما أحدثوا ذنبا ، فأخذوا بعد مقالة جهم يحملونها ربهم جل شأنه ويتبرءون منها ، ويقولون مقالة الجاهل المغرور انها أفعاله لا أفعالنا ، ولا حيلة لنا في دفعها ، اذ لا قدرة لنا ولا اختيار.
* * *
ما كلف الجبار نفسا وسعها |
|
أنى وقد جبرت على العصيان |
وكذا على الطاعات أيضا قد غدت |
|
مجبورة فلها اذا جبران |
والعبد في التحقيق شبه نعامة |
|
قد كلفت بالحمل والطيران |
اذ كان صورتها تدل عليهما |
|
هذا وليس لها بذاك يدان |
فلذاك قال بأن طاعات الورى |
|
وكذاك ما فعلوه من عصيان |
هي عين فعل الرب لا أفعالهم |
|
فيصح عنهم عند ذا نفيان |
نفي لقدرتهم عليها أولا |
|
وصدورها منهم بنفي ثان |
الشرح : إذا كان الجهم يرى أن العبد لا قدرة له على الفعل ولا اختيار له فيه ، فهو عنده قد كلف بما لا يطيق ، حيث أنه مجبور على كل من الطاعة والمعصية فإذا كلف بترك المعصية أو بفعل الطاعة فقد كلف بما لا يدخل تحت قدرته ، وهو عند التحقيق أشبه شيء بالنعامة ، يراها الرائي في صورة الجمل فيكلفها حمل الاثقال ويرى لها جناحين فيكلفها الطيران ، وليس لها على هذا أو ذاك قدرة واحتمال ، وإذا لم يكن للعباد يد بشيء من الطاعات أو المعاصي لم تكن هي أفعالهم ، بل عين فعل الرب سبحانه ، لأنه هو الذي خلقها فيهم ، وليس لهم فيها إلا أنهم محل فقط لظهورها ، وعلى هذا فيصح أن ننفي عنهم قدرتهم عليها كما ننفي صدورها منهم بنفي ثان.
* * *
فيقال ما صاموا ولا صلوا ولا |
|
زكوا ولا ذبحوا من القربان |
وكذاك ما شربوا وما قتلوا وما |
|
سرقوا ولا فيهم غوي زان |