في عقله في كبره (١).
وقال ابن ديزيل : سمعت أبا مسهر ينشد :
هبك عمّرت مثل ما عاش نوح |
|
ثم لاقيت كلّ ذاك يسارا |
هل من الموت ـ لا أبا لك ـ بدّ |
|
أيّ حيّ إلى سوى الموت صارا (٢) |
محنة أبي مسهر مع المأمون
قال الحافظ ابن عساكر (٣) : قرأت بخطّ أبي الحسين الرازيّ : سمعت محمود بن محمد الرّافقيّ : سمعت عليّ بن عثمان النّفيليّ يقول : كنّا على باب أبي مسهر جماعة من أصحاب الحديث ، فمرض ، فدخلنا عليه نعوده ، فقلنا : كيف أنت؟ كيف أصبحت؟
قال : في عافية راضيا عن الله ، ساخطا على ذي القرنين ، حيث لم يجعل السّدّ بيننا وبين أهل العراق ، كما جعله بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج.
قال : فما كان بعد هذا إلّا يسيرا حتى وافى المأمون دمشق ، ونزل بدير مرّان (٤) وبنى (٥) القبيبة فوق الجبل ، فكان يأمر باللّيل بجمر عظيم فيوقد ، ويجعل في طسوت كبار ، ويدلى من عند القبيبة بسلاسل وحبال ، فتضيء له الغوطة ، فيبصرها باللّيل.
وكان لأبي مسهر حلقة في الجامع بين العشاءين عند الحائط الشرقيّ ، فبينا هو ليلة إذ قد دخل الجامع ضوء عظيم ، فقال أبو مسهر : ما هذا؟
قالوا : النّار التي تدلّى لأمير المؤمنين من الجبل حتّى تضيء له الغوطة.
فقال : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ
__________________
(١) تاريخ بغداد ١١ / ٧٣ ، وتاريخ دمشق ٣٩٩ ، والعرامة : الشدّة الشراسة.
(٢) تاريخ دمشق ٣٩٩.
(٣) في تاريخ دمشق ٣٩٦.
(٤) دير مرّان : بضم الميم وتشديد الراء. دير بالقرب من دمشق على تلّ مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة. (معجم البلدان ٢ / ٥٣٣).
(٥) في الأصل «بنا» وهو غلط.