وقد كان اليهود القاطنون في شبه الجزيرة العربية خير معين على إشاعة هذه الفكرة ، بل منهم انبعثت.
نعم هناك رجال من أهل السنّة والجماعة ، متحررون عن عقيدة الجبر وفي مقدمهم الشيخ محمد عبده فقد ردّ على من نسب الجبر إلى الكتاب العزيز أو المسلمين عامة وقال : «إن القول بالجبر قول طائفة ضئيلة انقرضت وغلب على المسلمين مذهب التوسط بين الجبر والاختيار وهو مذهب الجد والعمل» (١).
ولا يخفى ما في كلام الأستاذ من الملاحظة فإن الأكثرية الساحقة من أهل السّنّة على مذهب الإمام الأشعري ، وسيوافيك نصوصه على القول بالجبر ، فكيف يمكن أن يقال إنّ الجبر قول طائفة ضئيلة.
وعلى كل تقدير فقد أجاد في هذا البيان وأبان القول الحق ، كما سيوافيك.
الأمر الخامس : رءوس المجبرة وأقطابها في العصور الإسلامية الأولى
١ ـ الجهميّة
اعتبر أصحاب الملل والنحل الطائفة الجهمية (٢) أول طائفة قالت بالجبر ، ووصفوها بالجبرية الخالصة ، وكان جهم يخرج بأصحابه فيقفهم على المجذومين ويقول : «أنظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا!» ، إنكارا لرحمته. وكان يقول : «لا فعل ولا عمل لأحد غير الله ، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز» (٣).
__________________
(١) رسالة «هل نحن مسيرون أم مخيّرون» ، ص ١١.
(٢) نسبة إلى جهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم ، الذي قتله خالد بن عبد الله القسري سنة ١٢٤ ه.
(٣) الفرق بين الفرق ، ص ١٢٨.