٣ ـ إنّ الرؤية لا تتحقق إلا بانعكاس الأشعة من المرئي إلى أجهزة العين ، وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسما ذا أبعاد ، ومعرضا لعوارض وأحكام جسمانية ، وهو المنزه عن كل ذلك.
٤ ـ إنّ الرؤية بأجهزة العين نوع إشارة إليه بالحدقة وهو سبحانه منزه عن الإشارة. فإنّ كل مرئي في جهة يشار إليه بأنه هنا أو هناك ، ويصح أن يقال : إنه مقابل للرائي أو في حكمه. وهذا المعنى منتف في حقه سبحانه.
إنّ مجموع الأدلة الأربعة تعتمد على أمر واحد وهو أنّ تجويز الرؤية على الله سبحانه يستلزم كونه جسما أو جسمانيا. فالأول يعتمد على أنّ الرؤية تستلزم أن يكون ذا جهة وتحيّز. والثاني يعتمد على أنّ الرؤية تستلزم تناهي ذاته إذا وقعت الرؤية على تمامها ، أو مركبة إذا وقعت على بعضها. والثالث يعتمد على أنّ الرؤية تستلزم أن يكون جسما وذا عوارض جسمية. والرابع يعتمد على أنّ الرؤية تستلزم الإشارة إليه تعالى ، وهو فوق أن يقع في ذلك المجال. فروح الأدلة الأربعة يرجع إلى أمر واحد ، وهو أنّ تجويز رؤيته معناه كونه سبحانه موجودا متحيزا ومحدودا وذا جهة وعوارض جسمانية وقابلا للإشارة وكل ذلك مستحيل ، فتكون النتيجة امتناع وقوع الرؤية عليه.
ومبادي هذه البراهين أمور بديهية حسيّة يكفي في تصديقها تصور القضايا بموضوعاتها ومحمولاتها ونسبها.
محاولة فاشلة
إنّ المتفكرين من الأشاعرة لما رأوا أنّ القول بإمكان رؤيته سبحانه يستلزم هذه المحاذير ويوجب خروج المجوّز عن صفوف المنزهين إلى عداد المجسمين ، حاولوا تصحيح مقولتهم بوجوه خارجة عن محل النزاع ، وإليك بعض ما ذكروه :
١ ـ قال الشهرستاني في نهاية الإقدام : «لم يصر صائر إلى تجويز اتصال أشعة من البصر بذاته أو انطباع شبح يتمثل في الحاسة منه وانفصال