والسنّة من التقدير غير السالب للاختيار ، بل بمعنى علمه سبحانه المحيط بأفعال الإنسان خيرها وشرّها ، حتى يترك الشرّ وينحو نحو الخير.
روى البرقي في محاسنه عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله الصادق (عليهالسلام) قال : «إنّ الله أكرم من أن يكلّف النّاس ما لا يطيقون ، والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد» (١).
فالشقّ الأول من الحديث ينفي الجبر بتاتا سواء استند إلى القدر أو غيره. والشقّ الثاني ينصّ على عموم إرادته سبحانه لكل الكائنات والأفعال الاختيارية للعباد. وستعرف عند البحث عن الجبر والتفويض أنّ شمول إرادته سبحانه لأفعال العباد لا يهدف إلى الجبر لأنه تعلقت إرادته بصدور كل فعل عن علّته بالخصوصيات والمبادي الكامنة فيها. ومن المبادي الموجودة في الإنسان حريته واختياره.
الأحبار وإشاعة فكرة القدر بين المسلمين
لقد ابتلي المسلمون بعد كعب الأحبار بكتابيّ آخر قد بلغ الغاية في بث الإسرائيليات بين المسلمين ، هو وهب بن منبه ، قال الذهبي : ولد في آخر خلافة عثمان ، كثير النقل عن كتب الإسرائيليات. توفي سنة ١١٤. وقد ضعّفه الفلّاس (٢).
وقال في (تذكرة الحفاظ) : عالم أهل اليمن ولد سنة ٣٤ ، وعنده من علم الكتاب شيء كثير ، فإنه صرف عنايته إلى ذلك ، وبالغ. وحديثه في الصحيحين عن أخيه همّام (٣).
ويظهر من تاريخ حياته أنّه أحد المصادر لانتشار نظرية نفي الاختيار
__________________
(١) البحار ، ج ٥ ، باب القضاء والقدر ، الحديث ٦٤ ، ص ٤١.
(٢) ميزان الاعتدال ، ج ٤ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣.
(٣) تذكرة الحفاظ ، ج ١ ، ص ١٠٠ ـ ١٠١.