مباشرة ، وليس لقدرة العبد فيها دور. ولأجل إيقاف الباحث على مدى وهن هذه الحجج نأتي ببعضها منهم.
الدليل الأول : إنّ المؤمن ليس موجدا لإيمانه كما أنّ الكافر ليس موجدا لكفره ، لأن الكافر يقصد الكفر بما أنه أمر حسن ، ولكنه في الحقيقة قبيح ، كما أنّ المؤمن يقصد الإيمان بما أنه غير متعب وهو ليس كذلك. فينتج أنّه إذا لم يكن المحدث للإيمان والكفر بما لهما من الخصوصيات ، شخص المؤمن والكافر ، يكون المحدث هو الله سبحانه (١).
يلاحظ عليه : أولا ، بالنقض بأنه لو صحّ هذا الدليل لوجب القول بأنّ شارب الماء الذي يتخيّل أنّه خمر ، لم يشرب ماء ولم يصدر منه عمل ولا فعل لأنّه قصد شرب الخمر وكان الواقع شرب الماء ، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.
وثانيا : إنّ ما ذكره خلط بين الصفات الواقعية الحقيقية والصفات الانتزاعية. فالأولى كالحرارة والبرودة تحتاج إلى محدث كما يحتاج موصوفها إليه كذلك. وأمّا الثانية كالصغر والكبر المنتزعين من مقايسة شيء إلى شيء فلا تحتاج إلى صانع وراء محدث ذات الشيء ، لأن هذه الأوصاف من مصنوعات الذهن ومخترعاته ، فالجسم الذي هو بقدر ذراع أكبر من الجسم الذي على نصفه ، والفاعل يوجد ذات الجسمين لا وصفهما وإنما ينتقل الإنسان إليهما عند المقايسة ، وعلى ضوء ذلك فالموجد للإيمان إنما يوجد نفس الإيمان والموجد للكفر يوجد ذات الكفر ، وأمّا كون الأول مؤلما متعبا ، والثاني قبيحا فلا يحتاج إلى فاعل سوى الموجد الذي أوجد ذات الإيمان أو الكفر. فإن الوصفين أعني كون الإيمان متعبا وكون الكفر قبيحا إنما يحصلان عند المقايسة ، فالإيمان بما أنّه يجعل الإنسان مسئولا أمام الله أولا ، وأمام الناس ثانيا ، يستتبع الإتعاب. والكفر بما أنّه على خلاف
__________________
(١) اللمع ، ص ٧١ ـ ٧٢. وعبارة اللمع غير خالية عن البسط المملّ والتعقيد المخل ، وما ذكرناه ملخّص مراده.