لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، لايتغير بحال ، ولا يتبدل بالأحوال (١) ، لاتبليه الليالي والأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الاجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والابعاض.
ولا يقال له حد (٢) ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا ان الأشياء تحويه فتقله أوتهويه ، أو ان شيئاً يحمله فيميله أو يعدله ، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج ، يخبر بلا لسان ولهوات ، ويسمع بلا خروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة.
يقول لما (٣) أراد كونه كن فيكون ، لابصوت يقرع ، ولانداء (٤) يسمع ، وإنما كلامه (٥) فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولوكان قديما لكان إلهاً ثانيأ لايقال كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل [ ولا له عليها فضل ، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدىء والبديع ] (٦).
خلق الخلائق على غير (٧) مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه.
وأنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غيرقرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلميهن ما بناه ، ولا ضعف ماقواه ، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالي [ على ] (٨) كل شيء منها بجلاله وعزته ، لا يعجزه شيء منها يطلبه (٩) ،
__________________
١ ـ في الأصل ، : من الأحوال ، وما أثبتناه من النهج.
٢ ـ في الأصل : عد ، وما أثبتناه من النهج.
٣ ـ في النهج : لمن.
٤ ـ في النهج : ولا بنداء.
٥ ـ في النهج زيادة : سبحانه.
٦ ـ أثبتناه من النهج.
٧ ـ في الأصل : خير ، وما أثبتناه من النهج.
٨ ـ أثبتناه من النهج.
٩ ـ في النهج : طلبه.