ومنهم من السماوات إلى حجزته (١) ، ومنهم من قدماه على غير قرار في جو الهواء الأسفل ، والأرضون إلى ركبته ، ومنهم لو اُلقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها ، ومنهم من لو اُلقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين. فتبارك الله أحسن الخالقين ».
روى هذا الحديث مسنداً الشيخ أبو جعفر ابن بابويه الفقيه رحمهالله ، في كتابه كتاب (الخصال) (٢).
فانتبه لنفسك ـ أيها الأنسان ـ كيف تكون حالك إذا شاهدت مثل هؤلاء الملائكة العظيمي الخلق ، ليأخذوك إلى مقام العرض ، وتراهم على عظم أشخاصهم منكسرين ، لشدة خوف يوم المحشر ، مما يرون من غضب الجبار على عباده ، وعند نزولهم لا يبقي نبي ولا صدّيق ولا صالح إلاّ ويخرون لأذقانهم خوفاً من الله ، كأنهم هم المأخوذون ، فهذا حال المقربين ، فما ظنك بالعصاة المجرمين!
وعند ذلك تقوم الملائكة صفاً محدقين بالخلائق من الجوانب ، وعلى جميعهم شعار الذل والخضوع ، وهيبة الخوف والمهابة لشدة ذلك اليوم.
ثم تقبل الملائكة فينادون وأحداً واحداً يافلان بن فلانة ، هلمّ إلى موقف العرض ، فعند ذلك ترتعد الفرائص ، وتضطرب الجوارح ، وتبهت العقول ، ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار ، ولا تعرض قبائح ، أعمالهم على الجبار ، ولا يكشف سرهم على ملأ الخلائق. فعند ذلك يخرج النداء : يا جبرئيل ، إئت النار ، فجاءها جبرئيل وقال لها : يا جهنم ، أجيبي خالقك ومليكك. فقادها جبرئيل على غيظها وغضبها ، فلم تلبث بعد النداء أن فارت وزفرت إلى الخلائق وشهقت ، وسمع الخلائق شهيقها وزفيرها ، وانتهضت خزانها متنكرة على الخلائق ، غضباً على من عصى الله وخالف أمره.
فأخطر ببالك حال قلوب العباد وقد امتلأت فزعاً ورعباً ، فتساقطوا وجثوا على الركب ، وولوا مدبرين ، وسقط بعضهم على الوجوه ، وينادي الظالمون والعصاة بالويل والثبور ، ونادى كل واحد من الصديقين : نفسي نفسي. فبينا هم كذلك إذ زفرت النار زفرة ثانية ، فتساقط الخلائق على وجوههم ، وشخصوا بأبصارهم ينظرون من طرف
__________________
١ ـ في الأصل : حرته ، وما أثبتناه من المصدر.
٢ ـ الخصال : ٤٠٠ / ١٠٩.