ولو أن محزوناً بكى في أمة ، لرحم الله تلك الاُمة ببكائه. ومع ذلك يجب بسط الرجاء في رحمة الله فإنها واسعة ، وربما غلب الرجاء على الخوف ، وذاك ان مستقى الرجاء من بحر الرحمة ، وقد سبق في قضائه وحكمته : ان رحمته سبقت غضبه.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « ما من عبد مؤمن تخرج من عينيه دموع ، ولو مثل رؤوس الذباب من خشية الله ، إلا حرّمه الله على النار ، وما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله ، وقطرة دم في سبيل الله ».
وقال : « لا يدخل الجنة إلا رحيم » فقيل : كلنا نرحم يا رسول الله ، فقال : « ليس رحمة أحدكم في خويصة أهله حتى يرحم الناس عامة ».
وقال صلىاللهعليهوآله : « اطلبوا الحوائج عند رحماء أمتي تفلحوا ـ أوتنجحوا ـ فإن رحمة الله لهم ، ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم فتذلوا فتندموا ، فإن غضب الله عليهم ».
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام لولده الحسن عليهالسلام : « يا بني ، إذا نزل بك كلب الزمان (١) وقحط الدهر ، فعليك بذوي الأصول الثابتة ، والفروع النابتة ، من أهل الرحمة والإيثار والشفقة ، فإنهم أقضى للحاجات ، وأمضى لدفع الملمات ، وإياك وطلب الفضل واكتساب الطساسيج (٢) والقراريط ، من ذوي الأكف اليابسة والوجوه العابسة ، فإنهم إن أعطوا منّوا ، وإن منعوا كدّوا ، ثم أنشأ يقول :
واسأل العرف إن سألت كريماً |
|
لم يزل يعرف الغنى واليارا |
فسؤال الكريم يورث عزاً |
|
وسؤال اللئيم يورث عارا |
وإذا لم تجد من الذل بداً |
|
فالق بالذلّ إن لقيت الكبارا |
ليس إجلالك الكبار بعار |
|
إنما العار أن تُجلّ الصغارا » (٣) |
وقال عليهالسلام : « العلل زكاة البدن ، والمعروف زكاةَ النعم (٤) ، وكل نعمة اُنيل منها المعروف فمأمونة السلب ، محصنة من الغِيَر ».
__________________
١ ـ كلب الزمان : شدته « الصحاح ـ كلب ـ ١ : ٢١٤ ».
٢ ـ الطساسيج : جمع طسوج وهو جزء من أجزاء الدانق العملة المعروفة أيامئذٍ. اُنظر « الصحاح ـ طسج ـ ١ : ٣٢٧ ».
٣ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٩٦ : ١٥٩ / ٣٨ عن أعلام الدين.
٤ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٩٦ : ١٣٦ / ٦٩ عن أعلام الدين.