عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوّف التوبة ، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة ، يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ ، ومن العمل مقل ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرماً والغُرم مغنماً ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر منطاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، يرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، يخشى الخلق في غير ربه ، ولا يخشى ربه في (١) خلقه » (٢).
وقال عليهالسلام : « ذمتي بما أقول رهينة ، وأنا به زعيم ، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات ، حجزه التقوى عن تقحم الشبهات » (٣).
وقال عليهالسلام : « كان لي أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجاً عن سلطان بطنه ، لا يشتهي مالا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان أكثر دهره صامتاَ ، فإن قال بذ(٤) القائلين ، ونقع غليل السائلين ، وكان ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جاء الجد فليثٌ عاد ، وصلُّ واد ، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً ، وكان لايشكو وجعاً إلا عند برئه ، وكان لا يلوم أحداً على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره ، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل ، وكان على أن يسكت أحرص منه على أن يتكلم ، وكان إن غلب على الكلام لم يُغلب على السكوت ، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه ، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها ، فإن لم تستطيعوها فاعلموا إن أخذ القليل خير من ترك الكثير » (٥).
« ولو لم يأمر الله بطاعته لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمته » (٦).
____________
١ ـ في الأصل زيادة : غير.
٢ ـ نهج البلاغة ٣ : ١٨٩ / ١٥٠ ، باختلاف يسير ، ووفيه : قال الرضي : لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى [ به ] موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة لمبصر ، وعبرة لناظر مفكر.
٣ ـ نهج البلاغة ١ : ٤٢ / ١٥.
٤ ـ بذّ : غلب وفاق « الصحاح ـ بذذ ـ ٢ : ٥٦١ ».
٥ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٢٣ / ٢٨٩.
٦ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٢٤ / ٢٩٠ ، وفيه : لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمه.