مكية ، غير آيتين نزلتا بالمدينة (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ، والتي بعدها.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١))
فأمّا التّفسير ، فقال كعب : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام ، وخاتمتها خاتمة هود ؛ وإنّما ذكر السّماوات والأرض ، لأنّهما من أعظم المخلوقات. والمراد «بالجعل» : الخلق. وقيل : إنّ «جعل» هاهنا : صلة ؛ والمعنى : والظّلمات. وفي المراد بالظّلمات والنّور ثلاثة أقوال : أحدها : الكفر والإيمان ، قاله الحسن. والثاني : الليل والنّهار ، قاله السّدّيّ. والثالث : جميع الظّلمات والأنوار. قال قتادة : خلق السّماوات قبل الأرض ، والظّلمات قبل النّور ، والجنّة قبل النّار.
قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني : المشركين بعد هذا البيان (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ، أي : يجعلون له عديلا ، فيعبدون الحجارة الموات ، مع إقرارهم بأنّه الخالق لما وصف. يقال : عدلت هذا بهذا : إذا ساويته به. قال أبو عبيدة : هو مقدّم ومؤخّر ، تقديره : يعدلون بربّهم. وقال النّصر بن شميل : الباء : بمعنى «عن».
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢))
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) يعني : آدم ، وذلك أنّه لما شكّ المشركون في البعث ، وقالوا : من يحيى هذه العظام؟ أعلمهم أنّه خلقهم من طين ، فهو قادر على إعادة خلقهم.
قوله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) فيه ستّة أقوال (١) : أحدها : أنّ الأجل الأوّل : أجل الحياة إلى الموت والأجل الثّاني : أجل الموت إلى البعث ، روي عن ابن عبّاس ، والحسن ، وابن المسيّب ، وقتادة ، والضّحّاك ، ومقاتل. والثّاني : أنّ الأجل الأوّل : النّوم الذي تقبض فيه الرّوح ، ثمّ ترجع في حال اليقظة ؛ والأجل المسمّى عنده : أجل موت الإنسان. رواه العوفيّ عن ابن عبّاس. والثالث : أنّ الأجل الأوّل : أجل الآخرة متى يأتي ، والأجل الثّاني : أجل الدّنيا ، قاله مجاهد في رواية. والرابع : أنّ الأوّل : خلق الأشياء في ستّة أيّام ، والثاني : ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة ، قاله عطاء الخراسانيّ. والخامس : أنّ الأوّل : قضاه حين أخذ الميثاق على خلقه ، والثّاني : الحياة في الدنيا ، قاله
__________________
(١) قال الطبري في «تفسيره» ٥ / ١٤٨ : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : ثم قضى أجل الحياة الدنيا (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) وهو أجل البعث عنده. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب. لأنه تعالى ذكره نبّه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم فقال لهم : أيها الناس إن الذي يعدل به كفاركم الآلهة والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين ، فجعلكم صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا ، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم ، وأجل مسمى عنده لإعادتكم أحياء وأجساما كالذي كنتم قبل مماتكم. وذلك نظير قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٨].